إذا كانت مشكلة توزير «سنّة 8 آذار» لا تزال من دون حل، فإن التهدئة بين حزب الله والتيار الوطني الحر بدأت تأخذ مداها، من دون أن يعلن الطرفان تراجعاً عن مواقفهما. لكن الكلمة الفصل تبقى للحزب بعدما أصبحت الكرة في ملعبه

قبل أن يقول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كلمته، نهاية الأسبوع الجاري، لا ينتظر أي من المتابعين لملف التفاوض الحكومي أي تطور ملموس على خط التأليف. فالأيام المقبلة مخصّصة للتهدئة التي بدأ العمل بها، إلى الحد الأقصى، وسحب أي عنصر توتر من مسار التشكيل، ليتعزز هذا الجو أيضاً بغياب الرئيس المكلف سعد الحريري.

لا شك أن عقدة تمثيل «سنّة 8 آذار» طرحت إشكالية لم تثرها عقبة توزير القوات اللبنانية على رغم حدّتها وتأثيرها السلبي على العلاقة بين الأخيرة والتيار الوطني الحر. لكن ما يحصل بين حزب الله والحريري من جهة، وبين الحزب والتيار من جهة أخرى، يأخذ أبعاداً مختلفة. فالأول يحمل عناصر توتر سني ــــ شيعي على رغم محاولات النفي المتكررة، والثاني يحمل دلالات بُني عليها الكثير في الأيام الماضية، في شأن الاتفاق السياسي بين الطرفين، على رغم سعي كليهما إلى سحب أي تأثيرات جانبية لما جرى على تفاهمهما، تحت سقف أن الخلاف لا يفسد للود قضية. والأبرز أنها أتت في توقيت يحمل التباسات، بسبب العقوبات الأميركية، والتوتر الإقليمي، الأمر الذي جعل منها مادة دسمة لتأويلات يفترض أن الطرفين في غنى عنها. فلا الحزب الذي تتوجه أنظاره إلى الخارج، يمكن أن يضاعف من المحاذير الداخلية بسبب وزير، ولا رئيس الجمهورية يفترض أن يكون ميالاً إلى خلاف مع حلفائه.
ثمة ملاحظات خلص إليها مطّلعون على التفاوض، وهي أن الحزب الذي ارتاح لأداء الرئيس المكلف كثيراً وحصد إيجابيات منه على مدى شهور التفاوض، قد يكون «غامر» قليلاً في الاعتقاد بأن الحريري المتجاوب يمكن أن يقبل بتوزير «سنة 8 آذار». وهناك، في هذا السياق، من يقول إن الحزب فضّل عدم إحراج رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بهذا الطلب، فطلبه من الرئيس المكلف بعدما نسج معه علاقة تفاوضية جيدة.
موقف الحريري الرافض الذي أبلغه للحزب مباشرة، خلط الأوراق. لكن الحزب لم يعتقد في المقابل ــــ وهو يرفع سقف التفاوض حول التمثيل السني ــــ أن الرد سيكون من جانب رئاسة الجمهورية، وأن عون يمكن أن يعلن موقفه علانية. وعلى رغم أن معلومات تتحدث عن أن الحزب تبلغ، قبل المقابلة التلفزيونية، بأن رئيس الجمهورية سيرفض هذا الطلب علناً، إلا أنه ظل لاحقاً متكتماً ــــ على عادته في إظهار «عتبه» ــــ على الشكل الذي ظهر فيه رفض رئيس الجمهورية. وربما لم يكن الموقف ليثير كل هذا الارتباك السياسي، لولا أنه صدر عن رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل المكلف التفاوض والمواجهة في ملفات الحكومة، قبل أن يتلقفها مجدداً رئيس الجمهورية كما حصل مع قوى سياسية أخرى. لا سيما أن موقف عون عزز موقف الحريري الذي ازداد تصلباً، بعدما كانت علامات إيجابية طبعت علاقته بقنوات التفاوض مع الحزب في الأسابيع الأخيرة.
مشكلة الحزب الأولى، بحسب المطلعين على عمليات التفاوض الحكومي، أنه ليس من السهل عليه اليوم التراجع المفاجئ بعد تطورات الأيام الماضية، لا سيما أنه ظل يتعامل مع ملف توزير السنّة المؤيدين له، كما يتعامل في ملفات أمنية، أي عبر الخطوط الخلفية ومن دون وضوح في الموقف العلني. والمشكلة الثانية أن إخراج توزير حلفائه السنة لم يكن موفقاً في الشكل، فأعطى بذلك حجة لمنتقديه، من الحلفاء قبل الخصوم. أما المشكلة الثالثة فهي أن الحلفاء الذين يدعمهم لم يتصرفوا ويدافعوا عن حقهم في التمثيل على المستوى نفسه الذي يدافع هو عنهم به. والأمثلة كثيرة. يبقى أن الثابت أن الحزب الذي يقف إلى جانب هؤلاء بعدما وقفوا إلى جانبه في محطات سابقة، لن يتخلى عنهم بسهولة، وهو اعتاد الوفاء مع حلفائه. وإن كان هناك من يرى أن الأمر يتعلق بالمستقبل وتوسيع القاعدة المؤيدة للحزب في البيئة السنية، تمهيداً للانتخابات المقبلة.


لكن واقعية الحزب تفترض، أيضاً، الخروج من الأزمة بأقل الأضرار الممكنة، وخصوصاً لجهة علاقته برئيس الجمهورية والرئيس المكلف، اللذين تضامنا معاً، إلا إذا كان الهدف ــــ بحسب معارضيه ــــ تمرير مزيد من الوقت الضائع في انتظار جلاء تأثيرات القرارات الأميركية بالمقاطعة وحصار إيران وحزب الله معاً. بخلاف ذلك، أُعطي الوقت للمفاوضين للتفتيش عن بدائل ومخارج للأزمة، عبر اقتراحات بديلة كمثل إعلان الفريق السني نفسه عن تراجعه عن مطالبته لمصلحة حكومة وطنية يمثله فيها حلفاؤه، أو توسيع قاعدة الحكومة العددية، بحيث يمكن استيعاب خلطة مذهبية وطائفية تضم جميع القوى السياسية. وإذا كانت رغبة الحزب في التهدئة وعدم توتير الوضع الداخلي قبل أن يحسم خياره النهائي، فإن التيار الوطني أيضاً لا يذهب إلى التصعيد ولا يعتبر أساساً أن ثمة مشكلة جوهرية تمسّ تفاهمه مع الحزب، وإن كان، هو أيضاً، مصراً على موقفه ولن يتراجع عنه. وهو زخّم اتصالاته مع الحزب ورفع من حرارتها، لأنه ينظر إلى الأمر من زاوية تتعدى توزير شخصية سنية حليفة للحزب. فالتشنج الأخير لم يأخذ منحى سياسياً بل مذهبياً، والتيار يريد إزالة أي ألغام وأفخاخ مسبقة تفجر الحكومة المقبلة من الداخل. والمعادلة الداخلية يفترض أن تكون مبنية على أسس وطنية، والاتجاهات المذهبية الأخيرة لا تساعد في تخفيف عناصر الاحتقان الداخلي وتثبيت الاستقرار.

المصدر: هيام القصيفي - الاخبار