جميلٌ هو الفرح الذي يأتي على صهوة الخبر الفلسطيني.. ينتشلنا أحيانًا من تفاصيل المحليّات، يعيدنا إلى حيث قلوبنا دومًا..
احتلّت غزّة ميادين العيون وساحات النظر. فالأسيرة المحاصرة أجادت دومًا اختيار توقيت عملياتها التي تعيد رسم قواعد الاشتباك، وتجبر العدو في كل مرّة على اعادة النظر في تعداد أيامه المتبقية على أرض فلسطين، لا سيّما بعد أن جهد المطبّعون على إيهامه أنه في أمان.
لن ندخل في سرد فرضيات كانت ستكون حقيقة وواقعًا لو في مصر رئيس من طينة الأسد بشار مثلاً، أو لو لم يخنق أبناء السادات كل احتمالات ولادة عبد ناصر آخر، أو لو كان في الأردن ملكٌ عربي عروبي.. فهذا السرد سيكون مؤلما وغير ذي جدوى. طبّع من طبّع، ومانع من مانع، وقاوم من قاوم، في فلسطين وخارجها.. وفي كل مرة كانت تخرج المقاومة الفلسطينية بحدث يجبر الجميع، صهاينة ومتصهينين، عرباً ومستعربين، على اعادة صياغة حساباتهم.. وبعض الحسابات دخول على خط التهدئة، لصالح الصهيوني طبعًا، وبمحاولة فرض شروطه.
في المشهد صورتان تختصران كل الحكاية الفلسطينية، تضيئان السلك الذي من سلاح وحب، والذي يربط بين المقاومين الذين لا تفرقهم حدود ولا تفصل بينهم أسوار ولا كيانات. في المشهد، حافلة تقلّ المحتلين فتغدو ذات "كورنيت" ويد لا تخطىء التصويب محرقة حقيقية لمن في داخلها، يطير سقف الخافلة ومعه الف حلم بأمان استيطاني، وعلم فلسطين ينتظر لحظة الصفر لينفجر باليد الآثمة التي تنتزعه.
في الصورتان لمح كلٌّ منا كل المقاومين الذين سكنوا عقله وعاطفته.. قارن كل قلب شكل العمليات بعمليات مشابهة.. هنا ظهر طيف مغنية، وهناك لمحنا كتف سامي شهاب تنقل الصواريخ، وفي مكان آخر شوهد يحيى عياش يحصي قتلى العدو، فيما وقف باسل الأعرج وأحمد نصر جرار بسلاحهما الفردي، يطلقان الرصاص أن حيّ على المقاومة.
في الصورتين مشاهد من جبل عامل وصعدة وحلب.. في الصورتين اجتمع الدم العربي وانهمر نارًا تحرق الغزاة.. في الصورتين قلب واحد يقاتل عدوًّا واحدً، ويرديه.
هذه هي فلسطين، فلسطين التي من رحم الشهادة تنتزع مخاض ولادات ابطال جدد.. فلسطين التي عشقُها سكن روح العماد المقاوم فأضحى نجماً يشير إليها كلّما توجهت عيون القلب إلى السماء.. فلسطين التي تبقى عاصمة العالم، ومعيار طهر الفطرة العصيّة على التطبيع، الخالية من احتمالات الهزيمة.
وهذه هي غزة، العزيزة التي سوّرها المحتل بالقيود وبالنار، وزادها الشقيق صفعًا وتقييدا، ها هي تحيل القيد سوار عزّ، وترفع العلم الفلسطيني تاجًا مرصعًا بدم الاحرار، وبالنصر.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع