جاءَ ردّ رئيس الحكومة المُكلف سعد الحريري على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «أقل من المتوقع». يريد تسوية، لكنه يرفضها كتضحية ذات طابع شخصي. لن يتنازل لكنه لم يوصد الأبواب أمام الحل
تمخّضت القسوة عندَ رئيس الحكومة سعد الحريري فأنجبَت كلاماً «بيحنّن». لم يأتِ ردّ وادي أبو جميل على الموقف الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «مُتناسباً». أو الأصح ليسَ على قياس التسربيات المُستقبلية التي سبَقت المؤتمر الصحافي لرئيس الحكومة المكلّف، وسّوقت لـ «كلام عالي اللهجة»، سيردّ فيه الحريري على «التهديد بأقوى منه».
وقفَ الحريري على المِنبر. لم يطرَح سقفاً عالياً. بأقل من المتوقّع، وبنبرة تهدوية نسبياً كرّر موقفه الرافض تمثيل السنّة المُستقلين. فهل السبب يعود حصراً إلى كونه من «الجماعة التي لا تحبّ الكلام اللي بيجنّن» كما قال؟ طبعاً لا. ببساطة سعد الحريري هو سعد الحريري. لم يتغيّر شيء في رئيس تيار المُستقبل. لا يزال - منذ أن انهزم مشروعه في لبنان وتراجع محوره الإقليمي - يبحَث عن تسويات، لكنه لا يريدها هذه المرة على حسابه ولا حساب رصيده الشعبي. ولا يريدها «تضحية» ذات طابِع شخصي لأنه «غير قادر على إقناع نفسه بأنه أم الصبي».
خرَج الحريري يومَ أمس عبرَ خطبته بما يراه حصانة لنفسه سياسياً وشعبياً. في شكل الخطاب استخدَم لغة مزدوجة:
حاولَ من جهة «استعطاف» المكونات السياسية المعنية بالتشكيل الحكومي. فهو سبق أن «أخذ أموراً في صدره لا تريدها طائفته وتحمّل ضغوطاً وخسائر. كلّ ذلك في مصلحة البلد»، وكأن «الصفقة» الرئاسية مع ميشال عون أتت بنجيب ميقاتي رئيساً للحكومة وليسَ بسعد الحريري! أفاض في إظهار بطولاته. فليسَ هو «من يقبل بتعطيل البلد وشلّ المؤسسات. ولا بتخريب اتفاق الطائف وخلق أعراف جديدة والتعدّي على الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية». وبناء على ذلك، سأل الرحمة، ممازحاً في إطار ردّه على أسئلة الصحافيين «بأن يتركوا لي هالكم مقعد».
عابَ الحريري على «الأحزاب الطائفية المعروفة في البلد» لغتها. رفضَ اتهامه «بالتحريض الطائفي». ثمّ بعد ذلك، عادَ وتفيأ بالطائفة. مع أنه رئيس لتيار «عابرِ للطوائف» كما يقول، قرّر أن يكون «بيّ السنّة» وحدهم. صارَ للسنة «بيّ» هو سعد الحريري. «بيّ» يعرف «مصلحتهم ويعرِف كيف يحميهم ويدافِع عن قضاياهم. ولا يقبَل تحت أي ظرف طائفي بأن يكونوا ملحقين، أو أن يكون هناك طغيان لأي طائفة عليهم».
لم يجِد الحريري في مواجهة كلام السيد نصرالله إلا أن يرحّل أسباب فشل ولادة الحكومة إلى حارة حريك. شرحَ مسار المفاوضات منذ البداية. أكّد بأنه أبلغَ من يعنيهم الأمر «بأن توزير أحد من النواب السنة (المستقلين) لا يُمكن أن يمُر». شرَح حجّته: «هم ليسوا كتلة». تسلّح بـ «دليل» أعلن عنه للمرة الأولى «اتفقت على اسم مع الرئيس ميقاتي». بدأ أولاً باتهام حزب الله «بافتعال العقدة السنية» لعرقلة الحكومة، وانتهى أخيراً بـ «عدم التشكيك بنوايا حزب الله»!
انسحبت هذه الازدواجية على المضمون أيضاً. حاول الحريري الإيحاء بأن لا تسهيلات ولا تنازلات: «ليس حزب الله من يقول لي عليك تمثيل فلان أو علان»، بمعنى أن لا حكومة إلا بشروطه. لكن غصّة «السنة المستقلّين» العالقة في حلقه لم تمنعه من ترك الباب مفتوحاً. فضّل أن يترك ما «بيني وبين جبران (باسيل) سرّاً». وكأنه يأمل من الأخير ومعه رئيس الجمهورية مساندته في محنة التأليف ومشاطرته التنازلات. وبما أن فرضية الاعتذار بعيدة تمام البُعد عن «بيت الوسط»، على رغم أنه ألمح إليها بالقول، رداً على سؤال، بأن «كلّ شي بوقتو حلو»، فضّل الحريري التمسّك بمساعي التشكيل. ذاك التمسّك يستمدّه من جولة المشاورات التي يقوم بها وزير الخارجية جبران باسيل لإيجاد مخرج يقوم على تسمية وزير يمثّل السنة المستقلين بموافقتهم.
في المؤتمر الذي حضرته كتلة «المستقبل» النيابية وأعضاء المكتب السياسي لتيار المستقبل، يُمكن تسجيل ثلاث خلاصات:
- استنهاض الحريري جمهوره لدعمه في موقفه مما عرف بالعقدة السنية.
- الإقرار بتعامله باستنسابية مع موضوع التمثيل السنّي من خارج تيار المستقبل. فقد وافق على منح الرئيس ميقاتي وزيراً سنياً، علماً أن كتلة الأخير ليسَ فيها إلا نائب سنّي واحد هو رئيس تيار العزم نفسه. فيما أعضاء اللقاء التشاوري هم ستة نواب سنّة نجحوا بأصوات سنية، وحصدوا أرقاماً جيدة في الانتخابات النيابية الأخيرة.
- أما الأهم وهو أن الحريري ناقض نفسه، وكل الذين روّجوا معه بأن «حزب الله افتعل العقدة السنية قبل يومين من ولادة الحكومة». دان الحريري نفسه من لسانه حين قال أن «الحزب كان يتحدث باسم السنة المستقلين منذ اللحظة الأولى»!