من يتريث اليوم في حل مشكلة الحكومة؟

ظاهرياً، يركن الرئيس المكلف سعد الحريري إلى موقف حزب الله الداعم لتمثيل نواب اللقاء التشاوري، ليقول إن الحزب معرقل لتأليف الحكومة. وفي خطابه الأخير، لم يقفل الحريري الباب أمام حلول. صحيح أنه أعلن رفضه تمثيل خصومه من السنة بقوله إنه أبلغ من يهمه الأمر بهذا الموقف منذ البداية، لكنه عاد ولفت إلى أنه ما كان يقدر على رفض الأمر لو تشكلت كتلة اللقاء التشاوري مباشرة بعد الانتخابات النيابية. وهو بهذه الخطوة أعاد فتح الباب أمام صيغة ما لتمثيل هذه المجموعة.
لكن الحريري، الذي يعرف أنه لا مجال بعد اليوم للتفاوض مع حزب الله نيابة عن النواب الستة، قبِل بأن تكون الكرة في ملعب من تطوّع للعلاج. وهو هنا يقصد الرئيس ميشال عون، خصوصاً أن الحريري اعتبر أن عون مستهدف هو أيضاً بموقف حزب الله.
عملياً، قال حزب الله كلمته، ورمى بالكرة عند عون والحريري وعند النواب الحلفاء، ومن ثم تبعه الحريري بأن قال كلمته حاصراً الكرة في ملعب رئيس الجمهورية، بينما أخرج الآخرون، من الرئيس نبيه بري إلى النائب وليد جنبلاط إلى «القوات اللبنانية» ثعالبهم، مبتسمين للإشكال القائم بين خصومهم في الجبهة المقابلة، أي عون والحريري.
بالتالي، فإن الموقف الآن من الملف الحكومي، رهن الرئيس عون وحده، لماذا؟
الرئيس عون تبنى تقدير الحريري بأنه لن تكون هناك مشكلة إذا تمت معالجة عقدتي جنبلاط وسمير جعجع. وهو تماهى مع الحريري باعتبار مطلب تمثيل سنة 8 آذار غير واقعي وفي غير محله. ولذلك، وضع الرئيس عون نفسه في موقع الحاجز بين القوى المطالبة بتمثيل النواب الستة، وبين الرئيس الحريري. وعندما شعر بالمسؤولية عن المساعدة في الحل، كلف وزير الخارجية جبران باسيل إجراء الاتصالات لأجل إيجاد مخرج.
الواضح، أو ما هو غير معلن، أن الرئيس عون كان مستعداً لأن يبادر إلى حل من خلال التخلي عن المقعد السني الذي صار من حصته، ومنحه إلى النائب فيصل كرامي. لكن الواضح، أو ما هو غير معلن، أن الوزير باسيل رفض الأمر. أو لنقل أن باسيل طلب من رئيس الجمهورية التريث في هذه الخطوة، وإفساح المجال أمامه، عسى أن يخرج بحل مختلف. وباسيل هنا، يفكر بطريقة مختلفة قاصداً تحقيق تجنب التخلي عن المقعد السني.
بناء عليه، انطلق باسيل في مسعاه، من زاوية أن المعني بالتنازل هو رئيس الحكومة المكلف، أو سنّة 8 آذار. أي أنه اعتمد قاعدة تقوم على واحد من خيارين، إما أن يتخلى الحريري عن مقعد وزاري سني لمصلحة هؤلاء، أو أن يقبل النواب الستة بإهمال مطلبهم على وعد بتحقيقه في مرحلة أخرى. وانطلق ساعياً إلى إيجاد مخرج على هذا الأساس. فوصل إلى صيغة تقول بأنه في حال أقنع النواب الستة بأنّ عليهم التنازل من خلال تسمية شخصية قريبة منهم، فهو سيقنع الحريري بالتخلي عن وعده للرئيس نجيب ميقاتي، وبالتالي، أن يقنع الحريري بأن يقبل بأن تشغل شخصية مقبولة من النواب الستة المقعد الذي قال الحريري إنه اتفق مع ميقاتي على اسم مستقل لشغله. وذهب باسيل يبحث عن اسم يكون مقبولاً من الجميع في نفس الوقت: أن يعتبره النواب الستة ممثلاً لهم، وأن يقبل به الحريري على اعتباره غير مستفز له، وأن لا يراه الرئيس ميقاتي بعيداً عنه، وأن يكون محل ترحيب من الرئيس عون ومن حزب الله. و تصرف باسيل هنا، على قاعدة أن «التنازلات الجماعية» تحقق هذا الهدف، علماً أن ما يضمره، أو يهجس به، هو أن لا تشمل التنازلات الرئيس عون والتيار الوطني الحر، وأن يحتفظا بتسمية وزير سني من حصتهما وبالطريقة التي تناسبهما.
في اللقاءات المتنوعة التي عقدها باسيل، سمع أجوبة حاسمة تقول الآتي:
- إن الحريري لن يقبل أبداً بالتنازل عن مقعد سني من حصته، وهو متسمك حتى اللحظة بعدم ورود اسم أحد النواب الستة في التشكيلة الحكومية.
- إن اللقاء التشاوري ليس جمعية خيرية، ولن يقبل بالاحتيال على تمثيله من خلال تسمية مرشح من خارج اللقاء. ولا يهتم اللقاء هنا مِن حصة مَن سيكون المقعد.
- إن حزب الله وبري يقفان إلى جانب اللقاء التشاوري، وإن جنبلاط وجعجع ليس بمقدورهما القيام بشيء.
وبالتالي، فإن باسيل يعرف بعد هذه الجولة أن الحل الفعلي والسريع والعادل، يقوم على قاعدة أن:
- يتم إلزام الرئيس المكلف بأن تمثيل النواب الستة أمر عادل ومنصف ولا بد منه. وأن يتم تظهير الأمر على أنه تنازل «مؤلم» من الحريري لمصلحة البلاد.
- يتم اختيار وزير من النواب الستة، أو مَن يمثلهم بوضوح، بما لا يشكل استفزازاً أو تحدياً للآخرين، وتكون الخطوة بمثابة تنازل.
- أن يقبل الرئيس عون بأن يتنازل عن المقعد السني في حصته، لأجل معالجة مشكلة تشكيل «حكومة العهد الأولى»، ربطاً بما كان قد قاله قبل الانتخابات، من أن الحكومة الأولى هي الحكومة التي تشكل بعد الانتخابات.
ولذلك، من الأفضل أن يقتنع باسيل بأن التريث ليس سوى تضييع للوقت، لأن أفضل الممكن هو هذا المخرج، وما عداه سيجعله شريكاً إضافياً في عملية التعطيل.
ومن جانب آخر، فإن باسيل، الذي يدافع بأسنانه وأظفاره عن التمثيل الحقيقي والمباشر للمسيحيين في الدولة، ويقاتل من دون هوادة في سبيل ما يسميه «استعادة الحقوق»، لا يحق له أن يقرر كيف يكون تمثيل الآخرين... هذا أقل ما يفعله من عانى من مصادرة الآخرين لتمثيل مَن يمثل لأكثر من 15 سنة!
جبران باشا، اترك الأمر للرئيس، وليفعل الأنسب للعهد اليوم، وليس بعد الأعياد!

المصدر: ابراهيم الأمين - الاخبار