اعتاد النائب السابق وليد جنبلاط الرهانات الخاطئة. هذه المرة، سقطت حساباته في الجاهلية، مغرقاً معه الرئيس سعد الحريري بخطوة سياسية ــــ أمنية فاشلة لاعتقال الوزير السابق وئام وهاب
مرّة جديدة، ينقلب «السحر» على النائب السابق وليد جنبلاط، بعدما كاد يورّط الجبل في فتنة خطيرة من بوابة الجاهلية، ثانية أكبر القرى الدرزية في قضاء الشوف. ومرّة جديدة أيضاً، ينساق الرئيس سعد الحريري، ومعه قوى الأمن الداخلي والمدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود وفرع المعلومات، خلف جنبلاط، في خطوة سياسية ــــ أمنية متسرّعة تشبه إلى حدّ، في ما تشبه، حفلة التحريض التي مارسها جنبلاط على قرارات 5 أيار 2008 الشهيرة.
فبدل أن يسارع جنبلاط إلى لملمة ردود الفعل التي تركها تسريب فيديو للوزير السابق وئام وهّاب، منتصف الأسبوع الماضي، مستغلاً علاقته «الجيّدة» به في الأشهر الأخيرة، اقتنص «الفرصة» للتخلص من رئيس حزب التوحيد العربي، مقنعاً الحريري، التوّاق إلى «الانتقام»، بأن اعتقال وهّاب سيمرّ بسلاسة بوجود غطاء درزي يؤمّنه الاشتراكي.
الأسبوع الماضي، بدت القوى السياسية الحليفة لوهّاب في حرجٍ كبير من الفيديو المسرّب، ولم يتبنَّ أيّ منها كلامه، بل أبلغ حزب الله تيار المستقبل، الخميس الماضي، أن كلام وهاب لا يعبّر إطلاقاً عن وجهة نظر الحزب أو أي من قوى 8 آذار. وبالتوازي، عاتب الوزير السابق على ما صدر عنه بحق الحريري. وهّاب نفسه أبلغ أكثر من طرف في قوى 8 آذار أنه فوجئ بانتشار الفيديو، وأصدر اعتذاراً واضحاً من الحريري، وكرّر اعتذاره في أكثر من تصريح.
مساء الخميس أيضاً، قام مناصرو وهّاب بجولة سيارة في قرى الشوف، مروراً بالمختارة، عمد جنبلاط بعدها إلى إدارة عملية قطع الطرقات على هؤلاء المناصرين واحتجازهم (قبل تدخل الجيش اللبناني). تواصل وهاب مع جنبلاط وأبلغه بأن مناصريه مرّوا بالمختارة من دون علمه، وأكّد إدانته أيّ تعرّض لمقرّ الزعامة الجنبلاطية. إلّا أن الزعيم الاشتراكي قرّر التصعيد، من خلفية سياسية بحتة، حدّد معالمها في تغريدة له بأن «المختارة خط أحمر... بصرف النظر عن المعادلات الإقليمية». وأوحى بأن المسيرة الصبيانية خلفها قرار على أرفع المستويات في محور المقاومة! وبعد التغريدة، تواصل الاشتراكي مع حزب الله، وسمع تأكيداً لحرص الحزب على جنبلاط وزعامته.
غير أن الاشتراكي بقي على «نظرية المؤامرة»، وعمد جنبلاط والمحيطون به، منذ يومين، إلى ربط ما يحصل بقرار من القيادة السورية ورئيس الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك. والأسوأ، هو ربط ما حصل مع وهّاب بمحافظة السويداء، وتسويق أن سوريا تستخدم الأخير للضغط على جنبلاط في بيروت في سياق ما يسميه هؤلاء «الضغط على أبناء السويداء للالتحاق بالجيش السوري»!
خطة لـ«إصابة عصفورين»
منذ سنوات، وعلاقة جنبلاط بالحريري تتراوح بين السيئة و«الحد الأدنى» من التواصل في سبيل المصلحة المشتركة، مع ثقة مفقودة بين الجانبين. وزاد الطين بلّة، دخول جنبلاط في تسوية مع رئيس الجمهورية ميشال عون لحلّ أزمة الوزير الدرزي الثالث، تضمّنت تعيين رئيس أركان للجيش محسوب على جنبلاط وإعادة الموظفين الاشتراكيين الذين تم نقلهم من مراكزهم في وزارة البيئة وشركة الكهرباء إلى أعمالهم. هذه التسوية أفضت الى شعور بالخذلان لدى الحريري الذي كان يقف الى جانب جنبلاط، وكذلك لدى الرئيس نبيه بري الذي دافع عن جنبلاط وحمى حصته الوزارية.
رأى جنبلاط في التطورات الأخيرة فرصة لا تعوّض للوقوف إلى جانب الحريري، وللقضاء على وهّاب على طريق نقل زعامته إلى ابنه النائب تيمور جنبلاط. وهو الذي تسكنه نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة وهاجس تحوّل وهّاب إلى لاعب رئيسي في الجبل الجنوبي، علماً بأن جنبلاط استغل في الأشهر الماضية التوتر بين وهّاب ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، محيّداً وهّاب عبر التواصل الدائم معه، للاستفراد بأرسلان.
جنبلاط رصّ صفوف 8 آذار
لم يصب جنبلاط أياً من أهدافه. في الخلاصة المباشرة، بدل أن ينتج تعاطفه مع الحريري غطاءً درزياً للعملية الأمنية ـــ السياسية الفاشلة، اضطر الحريري إلى استدعائه ليل الجمعة إلى منزله في وادي أبو جميل، بعد ورود معلومات عن وقوع محمد أبو ذياب جريحاً في الجاهلية، نتيجة تبادل إطلاق النار بين حرس منزل وهاب وعناصر فرع المعلومات. وبدل أن يتم رفع الغطاء عن وهّاب و«فرك أذنه» كما اتفق جنبلاط والحريري، حاز وهاب تعاطفاً درزياً وسياسياً، بدأ أولاً في بلدته الجاهلية التي انتفضت على ما اعتبره أهالي البلدة «انتهاكاً»، وامتد ليطال غالبية القرى الدرزية اللبنانية، وصولاً إلى السويداء وجرمانا في سوريا. حتى إن شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في فلسطين المحتلة اضطر إلى إصدار بيان تضامني! وبدل أن تُحرِج حركة الحريري ـــ جنبلاط قوى 8 آذار، أبلغ مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا فرع المعلومات أن المس بوهّاب ممنوع.
أما في الخلاصة الأوسع، فإن ما حصل في اليومين الماضيين أعاد الانقسام السياسي إلى الشارع الدرزي على قاعدة 8 و14 آذار، ورصّ صفوف المؤيدين لقوى 8 آذار في الساحة الدرزية، وهو ما كان غائراً خلال الأشهر الماضية بفعل الندوب التي تركتها الانتخابات، وبفعل الحماية التي أمّنها الرئيس بري لجنبلاط في الانتخابات. وفيما كان أخصام جنبلاط على الساحة الدرزية منقسمين، فتحت التطورات باب الحوار والتواصل بين أرسلان ووهاب والحزب السوري القومي الاجتماعي، خصوصاً بعد موقف أرسلان أمس، والذي شنّ فيه هجوماً كلامياً على جنبلاط معتبراً أنه «يستبيح الجبل»، فيما تلقف وهّاب إيجابية أرسلان وردّ في خطابه أمس بالتحيّة، مؤكّداً محورية موقع شيخ العقل ناصر الدين الغريب، في مقابل شيخ العقل نعيم حسن، المحسوب بالكامل على جنبلاط.
ولعلّ أكثر السهام التي أصاب جنبلاط نفسه بها أمس هي فرضه «أخلاقيات جديدة» وظهوره أمام الدروز، على عكس أي زعيم درزي، مستعداً لـ«تحليل دماء» أبناء طائفته، كما فعل في السويداء قبل سنوات، وكما فعل بالأمس في وصفه وهاب بـ«الشذوذ الأمني في الجاهلية».