أن يُقرِّر رئيس الحكومة سعد الحريري تقمُّص دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بتحريض من رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، ثم يُقرِّر، من خارج القانون، الإيعاز إلى المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والنائب العام التمييزي سمير حمود بتوقيف رئيس حزب التوحيد وئام وهّاب، ضارباً عرض الحائط بكل الأعراف القانونية، ثم يُرسل قوّة أمنية قوامها ١٥٠ عنصراً من القوة الضاربة في فرع المعلومات مدجّجين بالسلاح لتوقيف وزير سابق يتّهمه بشتمه، طالباً إحضاره مكبّلاً، قاطعاً الطريق أمام ذهابه للمثول أمام القضاء، دونما اعتبارٍ للسلم الأهلي ولمجزرة دموية كادت تقع... فذلك هو الجنون بعينه. هو أسلوب عمل ابن سلمان: «فلان شتم والدي، أحضروه إليّ لأُعاقبه».
هكذا فهم حزب الله سلوك الحريري يوم السبت. وأمام هذه المعطيات لا يمكن أن يقف مكتوف الأيدي. غروب السبت، مَنَع حزب الله حرباً أهلية. أبى التخلّي عن حليفه وئام وهّاب، رغم اعتراضه على الفيديو المسيء الذي صدر عن الأخير وعلى لغة الشتم التي اعتمدها. وعند تجاوز الحريري القانون مستغلّاً القضاء والأمن، وجّه له الحزب رسالة واضحة بحزم، عبر مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا. اتّصل الأخير بالمعنيين (القاضي حمود واللواء عثمان ورئيس فرع المعلومات العقيد خالد حمود) محذِّراً: «لا نسمح لأحد بمسِّ أحدٍ من حلفائنا. وإن أخطأ، نحن نعالج الخطأ. حلفاؤنا خطٌ أحمر، وما تفعلونه خطأ، وسيؤدي إلى حمّام دم إن استمر». غير أنّ حفلة الجنون استمرّت. أكملت القوّة الأمنية طريقها ليسقط قتيل من مرافقي وهّاب. ورّطت الدولة فرع المعلومات في فضيحة أمنية قضائية. سقط الجهاز الأمني ضحية دسّ الدسائس من جنبلاط. الأخير حرّض الحريري ليورطه في حادثة أمنية كادت تؤدي إلى حربٍ أهلية. استجاب الحريري طالباً من سمير حمود وعثمان إرسال قوّة أمنية ضخمة لتوقيف وهّاب مهما كلّف الأمر. الوصي على القضاء خالف القانون. لم يُحوِّل سمير حمود الملف إلى محكمة المطبوعات، وارتأى استنابة فرع المعلومات بمذكرة إحضار لتوقيف وهّاب. سمعاً وطاعة استجاب للحريري وأبلغ فرع المعلومات بضرورة تنفيذ المذكرة فوراً. رأى حزب الله أنّ المسار الذي تسلكه القضية يوحي بأمرٍ واحد: تصفية حسابات مع وهّاب. تقاطعت مصالح الحريري وجنبلاط لإنهاء وهّاب، وهكذا كان. سقط مرافق وهاب، تدخّل حزب الله، فتراجعت المعلومات. وبعدما كان وهّاب مخطئاً، بات معتدى عليه من أجهزة رسمية. حزب الله لن يسمح بتوقيف وهّاب. أما المسألة القضائية، فذكرت مصادر معنيّة أنّ «شيئاً لن يُحل قبل انتهاء مراسم العزاء. وبعدها لكل حادث حديث، على أن تسلك الأطر القانونية».
غير أن ما سبق لم يبقَ سرّاً، إذ تولّى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد والنائب نواف الموسوي إعلان موقف حزب الله الرسمي. فأكد رعد أن «تطبيق القانون استنسابياً أو تجاوز القانون مع بعض الناس والتطنيش عن تطبيق القانون مع البعض الآخر، لا يحقق احتراماً للسلطة. نحن لا نقبل بهذا الفحش ولا الشتيمة ولا التعرض بالشخصي، لا للأحياء ولا للماضين، لكن ما نقبله لفلان لا نقبله لأحد ممن يتطاول على الآخرين، لا يبقي مقدساً عند الآخرين الا ويهتكه ويتعرض له ولا يحترم كبار الآخرين ولا صغارهم ويلقى التصفيق من بعض رجالات السلطة». وأضاف أن «إرسال قوة مؤللة تحت حجة تبليغ دعوى للحضور إلى المحكمة، فيه تجاوز للقانون وأمر كان يخفي نية اعتقال لإذلال الشخص المطلوب وسوقه خلال أيام العطل ليبقى محتجزاً حتى يبيت ليوم الإثنين والثلاثاء. هذا الأمر في الحقيقة يجب على المسؤولين أن يتجاوزوه ويترفعوا عن مثل هذه الأساليب، وخصوصاً أنهم ما زالوا يقدمون أوراق اعتمادهم. حتى الآن لا يستطيعون أن يشكلوا حكومة». وختم رعد بالقول إن «مثل هذه التصرفات تنأى بالناس عن احترام قدرتهم على حكم البلد، وخصوصاً في هذه المرحلة».
أما الموسوي، فأكد أن «حكمة حزب الله هي التي حالت دون إدخال البلاد في أتون فتنة، فنحن من أنقذ البلد وأيقظ بعض الناس الذين ما زالوا يتصرفون بعنجهية وبتكبر ومكابرة، بحجة أن شخصاً وجه إهانات لرئيس الحكومة. وعليه فإننا نقول، إن رئيس مجلس النواب الموقع الثاني في الدولة، بقي يشتم على مدى أشهر طويلة من شخص زقاقي في الشارع، وهذا الزقاقي كان يقفل الطريق على مئات الآلاف من الجنوبيين، فأين كانت أجهزة الدولة لكي تعتقله لأنه يتطاول على رئيس مجلس النواب، وتمنعه من سد الطريق على أكثر من 750 ألف جنوبي، أليس هذا رئيس مجلس النواب؟».
وأضاف الموسوي «إننا نذكر بهذه الأمور لنلفت الجميع كم صبرنا على الإساءة للرئيس نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الشوارع وعلى شاشات التلفزة، فلماذا لم تقم الأجهزة الأمنية بأي عمل، ولماذا لم تحضر 20 آلية و20 مدرعة وحوالى 200 مسلح لتعتقل من كان يشتم، وماذا كان يعمل المدعي العام لإصدار مذكرة؟ ألم يكن يسمع في بيته الشتائم التي كانت تطال رئيس مجلس النواب؟ فهل يجب أن نشتم نحن في هذا البلد ويتآمر علينا ونضطهد، وفي النهاية يجب أن لا نتحدث بأي شيء؟ وهل هناك فقط جنس معين في هذا البلد هو من يجب أن لا يقترب منه أحد، وإلا المفروض أن يسيل الدم إلى الركب؟ فبأمس قتل أحد الشباب، ولو أن العملية استكملت ووقعت مجزرة، من كان يمكنه أن يخرج لبنان من أزمته؟ نحن من أنقذ لبنان كالعادة».