اللقاء الصريح بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي يوم أمس، تضمّن «لهجة قاسية» من قبل «الحزب» في تقييم وقائع حادثة الجاهلية يوم السبت، وما سبقها. تولّى «الاشتراكي» توضيح الصورة، ومحاولة التنصل من تغطية العملية الأمنية
لا تزال حادثة الجاهلية، يوم السبت، تُظلّل الحراك السياسي في البلاد. فبعد تخليص لبنان من فتنةٍ، تستمر القوى السياسية في مساعيها لِلملمة ذيول الحادثة، وتعويض «خسائرها»، ولا سيّما النائب السابق وليد جنبلاط. استشعر الزعيم الشوفي خطورة الوضع في «ساحته»، التي تتحضّر لتشكيل جبهة حليفة لحزب الله، فأرسل وفداً يُمثّل التقدمي الاشتراكي للقاء «الحزب». لم يكن الوزير السابق غازي العريضي، سيُبادر إلى طلب موعدٍ من حزب الله، لو أنّ وقع نتائج «الجاهلية» لم يكن «قاسياً» على «الاشتراكي». فعِوض أن تُوَجَّه «ضربة قاضية» إلى الوزير السابق وئام وهّاب، تمكّن الأخير من تأمين التفاف فريق 8 آذار السياسي حوله، ولا سيّما من قِبَل حزب الله، في مُقابل انتقال «العزاء» إلى جبهة تيار المستقبل - التقدمي الاشتراكي، الذي خَسِر جولةً سياسية جديدة. الظروف عند جنبلاط لا تحتمل «دعسات ناقصة»، فذهب النائب وائل أبو فاعور والوزير السابق غازي العريضي إلى ضاحية بيروت الجنوبية، والتقيا المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا، من أجل «ضبّ الموضوع». وجود أبو فاعور في الاجتماع، وهو الذي يُعتبر «ضابط الارتباط» بين رئيس تيار المستقبل سعد الحريري وجنبلاط، كان مُتعمداً من أجل أن يكون الكلام واضحاً للجميع.
تكشف مصادر مُتابعة لاجتماع أمس، لـ«الأخبار»، أنّ حزب الله كان «واضحاً وحادّاً» في كلامه مع أبو فاعور والعريضي. عرض الخليل وصفا أمام ضيفيهما، وقائع مُدونة بالتفاصيل، «فكانت جلسة عتاب عن كلّ المرحلة السابقة، وطريقة تصرّف جنبلاط خلالها». عادَ حزب الله في الحديث، إلى مُجريات يوم الخميس، وكيف وفّر كامل الدعم للقوى الأمنية والعسكرية، في وضع حدّ للفلتان في الشارع والمواكب السيارة، وفي تهدئة الأجواء السياسية بين جنبلاط ووهاب. في المقابل، لم يكن مفهوماً بالنسبة إلى «الحزب» تصرّف جنبلاط في تغطية العملية الأمنية ضدّ وهاب يوم السبت، والتوجه إلى بيت الوسط ودعم الحريري في قراره. وبحسب المعلومات، فإنّ وفد «الاشتراكي» ردّ على «التفاصيل التي تخصّه، ولم تكُن واضحة بالنسبة إلى حزب الله. إضافةً إلى شرح الكثير من المعطيات الناقصة». وتقول المصادر إنّ الاشتراكِيَّين أبلغا حزب الله «عدم رضا جنبلاط عن العملية الأمنية، وعدم علمه بها، إلّا حين وصل عناصر فرع المعلومات إلى منطقة الدامور. وقد عاد جنبلاط وأيّدها، لأنّ ما قام به وهاب أمرٌ غير مُبرّر وغير مقبول، ولأنّه لا يُمكن أن يترك جنبلاط حليفه سعد الحريري، من دون تغطية»، مع تأكيد الوفد الاشتراكي رفض «سقوط أي نقطة دم في بيتنا ومنطقتنا».
وتُفيد مصادر «الاشتراكي» في اتصال مع «الأخبار» بأنّ «الحدث الأمني والخوف على البلد فرضا اللقاء مع حزب الله، ولا سيّما بعد أن أعلن وهاب أنّ القرار عند الحزب، وليس الخوف على وجودنا أو بيئتنا». وتقول المصادر إنّه خلال الاجتماع «وبعد أن أطلعنا الخليل وصفا على وقائع يوم السبت، أخبرناهما بأنّ الاختلاف في السياسة بين حزب الله والاشتراكي موجود، ولكن لا يجب توتير الأجواء، بل الاستمرار في التنسيق والتعاون وتنظيم الاختلاف بين الحزبين». في الإطار نفسه، كان الردّ من حزب الله في الاجتماع: «العلاقة مع الاشتراكي مُستمرة، خاصة أنّه لم يحصل أي خلاف بين الاثنين في الأيام الماضية، ولكن مع تأكيد الدعم المُستمر من قِبل حزب الله لحلفائه».
وكان حسين الخليل قد ردّ، بعد اللقاء، على وصف جنبلاط لوهاب بـ«الحالة الأمنية الشاذة»، مُعتبراً أنّ «لبنان بلد تنوع سياسي ولا يمكنني القول إنّ أحداً حالة شاذة على المستوى السياسي. الحالة الشاذة الوحيدة في لبنان هي العمالة للعدو الإسرائيلي، وهي حالة يجب أن تُقطع»، فعلّق العريضي، موضحاً أنّ «الحديث كان عن أنّنا لا نسمح بحالة أمنية شاذة في الشوف ولبنان»، قبل أن يؤكد أنّ الاجتماع «سادته روحية التفاهم والصراحة. ونحن مقتنعون بضرورة الاحتكام الدائم إلى الدولة والمؤسسات وإلى القضاء لأننا حرصاء على استقرار لبنان». وفي الإطار نفسه، قال الخليل إنّ «الهمّ المشترك مع الاشتراكي هو تحييد لبنان عن أي انتكاسة أمنية (...) سعينا في الماضي إلى تحقيق الاستقرار وأكّدنا ذلك خلال هذه الجلسة». ولكن ما حصل في الجاهلية «كان عملاً متهوراً وكاد يجرّ لبنان إلى كارثة. من رأى المشهد، يعلم أنّ العملية لم تكن للتبليغ، بل تُظهر نيّة للقتل أو الاعتقال». وكشف الخليل عن نصيحة حزب الله إلى الحريري «والقادة الأمنيين، لأن العمل كان غير مدروس وكاد أن يجرّ لبنان إلى كارثة».
وتقول مصادر في فريق 8 آذار إنّ التعامل مع حادثة الجاهلية انتقل إلى «المستوى القضائي الهادئ، إن كان بالنسبة إلى التحقيقات في مقتل محمد أبو دياب، أو الدعوى القضائية بحقّ وهاب». سَحْبُ الاحتقان من الشارع، انتقل أيضاً إلى الاشتراكيين، فاتصل النائب تيمور جنبلاط أمس بنضال أبو دياب، شقيق محمد أبو دياب مُعزياً، «وسيقوم وفد من الاشتراكي، يوم الأحد ، بزيارة العائلة من أجل تقديم واجب العزاء»، بحسب مصادر «الاشتراكي».
بانتظار الأحد المقبل، استمرّ أمس توافد المُعزين بمحمد أبو دياب، ومن بينهم السفير السوري علي عبد الكريم علي، الذي صرّح بأنّ «الذين يتربّصون للبنان وسوريا هم الخاسرون، وحلفاؤنا في لبنان يحصدون انتصارات. حلفاؤنا معنا ويكبرون، والتحديات تصيب سوريا ولبنان معاً، سواء كانت من إسرائيل أو الإرهاب». من جهته، قال النائب فيصل كرامي بعد التعزية إنّ «التبريرات الإعلامية والتسريبات السياسية لم تعد كافية، ولبنان اليوم بحاجة إلى الاستقرار. نتساءل لماذا تم الهجوم الكبير بمدرعات وآليات من أجل إخبار طبيعي؟».
على صعيد آخر، لم يُسجَّل أي خرق في ملفّ تشكيل الحكومة، في وقت لا يزال فيه كلّ فريق مُستمراً في عملية شدّ الحبال والتصعيد، وكان آخرها كلام كرامي أمس بأنّه «طالبنا بحقنا الطبيعي بوزير في حكومة الوحدة الوطنية، حتى إننا لم نطلب الحقيبة، ولكننا اليوم مصرون على مطلبنا ونريد حقيبة». أما نائب «تكتل لبنان القوي» إلياس بو صعب، فقد غرّد على «تويتر» مُعتبراً أنّ «عدم اعتماد معيار واحد، منذ اليوم الأول لتأليف الحكومة، أدّى إلى ما وصلنا إليه. الوزير باسيل يعمل على حلّ الأمور، وهو ليس طرفاً، ومن غير الممكن أن نتنازل عن أي شيء». رفض الحلول التي تقدّم بها جبران باسيل، حطّ رحاله أيضاً في بيت الوسط، إذ تقول مصادر في التيار الوطني الحرّ إنّ «الحريري رفض صيغة الـ 32 وزيراً» التي اقترحها وزير الخارجية، مع العلم بأنّ هذا الموقف لم يتبلغ به باسيل رسمياً.