الإسرائيليّون يطلبون من الولايات المتحدة الأميركية أن تضغط على الجيش اللبناني بغية مساعدتهم في ما يُسمى كشف الأنفاق داخل الأراضي اللبنانية، فيأتي الرد، وإن بشكل غير مباشر، مِن خلال استنفار الجيش اللبناني عند الحدود، مع سماحه للأهالي بأن يتحرّكوا بحريّة فوق أرضهم، ما دفع بجنود العدو إلى التراجع، بعدما كانوا تقدّموا لأمتار، وذلك إثر توسّط «اليونيفيل»
علمت «الأخبار» من مصادر دبلوماسية غربية في بيروت، أن العدو الإسرائيلي طلب من الولايات المتحدة الأميركية التدخل لدى الجيش اللبناني والضغط عليه، بغية حثّه على كشف الأنفاق من الجانب اللبناني، والعمل على تدميرها، بالتعاون مع القوات الدوليّة («اليونيفيل») المنتشرة هناك.
العدو الإسرائيلي يتصرف وفق قاعدة أن بمقدور الولايات المتحدة الضغط على الجيش، من خلال تهديده بوقف المساعدات العسكرية، وأن رفض القوات الدولية القيام بأعمال خارج نطاق صلاحيتها يفرض أن تقوم الحكومة اللبنانية بالمهمة. ومع أن الجانب الأميركي كان صريحاً مع الاسرائيليين، بأنه يستحيل أن يقوم الجيش اللبناني بهذه المهمة، إلا ان الولايات المتحدة لا تتوقف عن إبلاغ الملاحظات إلى الجانب اللبناني.
يُشار إلى أن قائد «اليونيفيل» ستيفانو دل كول زار رئيس الجمهورية ميشال عون وقائد الجيش جوزف عون، بعدما كان قد زار فلسطين المحتلة والتقى هناك رئيس أركان جيش العدو غادي آيزنكوت، الذي شرح له خلفيات العملية على الحدود، وأبلغه اعتراضاته على عمل القوة الدولية وعلى الجيش اللبناني. في السياق عينه، تقول المصادر إن إسرائيل تعزز الضغوط في الآونة الأخيرة، لا سيما لجهة تعديل صلاحيات «اليونيفيل»، بحجة أن حزب الله يخرق القرار 1701 وأن منعه يتطلب منح القوة الدولية تفويض العمل على منع الخروقات بالقوة. هذا الأمر، بحسب المصادر، غير ممكن في ظل رفض لبنان البحث فيه من أساسه، كما أن غالبية الدول المشاركة في القوة الدولية، تعرب صراحة عن رفضها تولي أي مهمة من شأنها خلق صدام مع أبناء القرى الجنوبية أو مع حزب الله.
تكشف المصادر أن أكثر التقارير الواردة من القوات الدولية في لبنان، أو من مكتب الارتباط التابع للقوة الدولية الموجود داخل فلسطين المحتلة، تتضمن هذه الأيام معلومات عن عملية «درع شمالي» التي ينفذها الجيش الإسرائيلي ضد ما يسميه «خطر الأنفاق». تلك التقارير تتضمن ملاحظات إسرائيلية على سلوك قوات الجيش اللبناني المنتشرة عند الحدود، وإشارة إلى أن عمليات التجريف التي ينفذها الجانب الإسرائيلي، في خراج بلدة ميس الجبل خصوصاً، تواجه صعوبات نتيجة رفض الجيش اللبناني تجاوز النقاط المتنازع عليها بمحاذاة الخط الأزرق.
مشكلة العدو مع طريقة تصرف الطرف اللبناني، في هذه المسألة، بدأت منذ الساعات الأولى لانطلاق عملية «درع شمالي». كان ذلك حين توجهت قوة من فوج التدخل الخامس في الجيش اللبناني إلى المنطقة الحدودية، منفذة سلسلة إجراءات أمر بها قائد الجيش، تقضي بمنع العدو من القيام بأي خرق للأراضي اللبنانية، وبإلزام «اليونيفيل» بضمان عدم حصول تلك الخروقات. كذلك كان العماد جوزف عون قد طلب، من جميع الوحدات العسكرية والأمنية في الجيش، مواكبة ما يحصل جنوباً لحظة بلحظة، مع اعتماد الجاهزية لمواجهة أي عمل به يقوم به العدو. هكذا، أبلغت القيادة من يهمه الأمر أن الجيش اللبناني ملتزم بالحفاظ على سيادة أراضيه، وهو لا يعمل إلا وفق المصلحة التي تحددها الحكومة اللبنانية.
موقف قائد الجيش، الذي ترجمه العسكريون على الارض، يبدو أنه استفزّ الجانب الإسرائيلي، خاصة أنّه ترجمه عملياً بحيث لم يُسمَح فعلاً بأي نوع من التجاوز. حاول العدو في المرة الأولى ترسيم الخط الأزرق، من دون وجود ضباط الارتباط الدوليين، وبغياب فريق «الطوبوغرافيا» الخاص بالجيش اللبناني، فانتشر عناصر فوج التدخل بكيفية تمنع حصول عملية الترسيم. كان العدو هنا يعمل على زرع أجهزة تجسّس في تلك المنطقة. حاول جنوده إثارة الذعر باستقدامهم قوة مشاة كبيرة، انتشرت في وضعية قتالية في المكان، كما استقدموا دبابة «ميركافا» صوّبت مدفعها باتجاه عناصر الجيش اللبناني. أبلغ أحد الضباط اللبنانيين القوة الدولية بضرورة تراجع العدو عن هذه الخطوة، وإلا سيضطر أن ينفذ خطوة مقابلة. وبالفعل، خلال دقائق جرى استقدام مدفع محمول إلى المكان وتم تثبيته في مواجهة القوة الإسرائيلية، حيث سارع ضباط الارتباط الدوليون إلى التوسّط بين الجانبين لإنهاء التوتر ومنع حصول الاحتكاك. اضطر العدو، بعد وقت، إلى أن يسحب الدبابة بعيداً عن الموقع وتغيير طبيعة انتشار الجنود، فقابل الجيش اللبناني ذلك بسحب المدفع المحمول من المنطقة.
في وقت لاحق، تبلغت القوة الدولية أنه لا يحق لعناصرها التحدث مباشرة مع ضباط الارتباط الموجودين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن قواعد العمل توجب أن يتحدث ضباط الارتباط في ما بينهم من خلال الهاتف أو أجهزة الاتصال، لا من خلال الاتصال الجسدي المباشر. هذا ما أقرّ به ضباط القوة الدولية وعملوا على التقيّد به. حاولت القوة الدولية إقناع الجيش اللبناني بأن يُبعد الأهالي عن منطقة عمل القوة الإسرائيلية، لكن الجواب كان سلبياً، خاصة أن أصحاب تلك العقارات هم أول من تقدموا إلى تلك المنطقة.، وبالتالي لا وجود لأي سبب يمنع الناس من التوجه إلى النقاط الحدودية، بينما يقوم جنود العدو بأعمال استفزازية.
تردد خلال اليومين الماضيين، بعد أن رفع العدو سواتر ترابية اختفى خلفها جنوده، أن الجانب الإسرائيلي أبلغ القوة الدولية أن قواته ستبادر إلى إجراءات لمنع اقتراب المدنيين اللبنانيين من نقاطها، وأنها ستعمل على نشر شريط شائك في المنطقة الفاصلة بين الخط الأزرق والسياج المرفوع داخل المنطقة المحتلة. وبالفعل، بادر جنود العدو، صباح أمس، إلى تثبيت الأسلاك الشائكة للفصل بينهم وبين الموقع الذي يستحدثون فيه سواتر ترابية في نقطة يتحفّظ عليها الجانب اللبناني. لم تمرّ الخطوة، إذ استنفر قائد القوة اللبنانية في المكان مع جنوده بأسلحتهم، فأجبروا جنود العدو على إرجاع الأسلاك إلى الخلف، لمسافة أمتار قليلة، يعتبرها الجيش اللبناني ضمن أراضيه وداخل الخط الأزرق.
كان أهالي المنطقة هناك، وزوار من كل المناطق، قد حولوا نقطة كروم الشراقي في الأسابيع الأخيرة إلى قبلة للتنزه ومشاهدة جنود العدو على بعد أمتار قليلة، ومع عدم وجود حواجز. رفعوا أعلام لبنان وفلسطين وحزب الله، وافترشوا الأرض لتناول الطعام، كما دخّنوا النرجيلة، ما دفع جنود العدو إلى رفع الأسلاك الشائكة لمنعهم من الاقتراب منهم.
الحريري لليونيفيل: لمواجهة الخروقات السرائيلية اليومية
أكّد رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري، لقائد قوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان، الجنرال ستيفانو ديل كول، أن «على الأمم المتحدة أن تتحمل مسؤولياتها في مواجهة الخروقات اليومية التي تقوم بها إسرائيل للأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية»، مشدداً في الوقت عينه على أن «لبنان متمسك بالتطبيق الكامل للقرار 1701 واحترام الخط الأزرق على حدوده الجنوبية». وأضاف الحريري أن «الجيش اللبناني المكلف وحده بالدفاع عن سيادة لبنان وسلامة أراضيه يتعاون مع قوات اليونيفيل، وسيقوم بتسيير دوريات لمعالجة أي شائبة تعتري تطبيق القرار 1701 من الجانب اللبناني». في المقابل، أصدرت قوات «اليونيفيل» أمس بياناً عبّرت فيه عن «القلق» نتيجة قضية الأنفاق التي أعلن العدو اكتشافها على الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان. وورد في البيان أنه «استناداً إلى التقييم المستقل لليونيفيل، أكدت اليونيفيل حتى الآن وجود جميع الأنفاق الأربعة بالقرب من الخط الأزرق (...). وبعد إجراء مزيد من التحقيقات التقنية بشكل مستقل وفقاً لولايتها، يمكن لليونيفيل في هذه المرحلة أن تؤكد أن اثنين من الأنفاق يعبران الخط الأزرق، وهذه تشكل انتهاكات لقرار مجلس الأمن الدولي 1701. إن هذه مسألة مدعاة للقلق الشديد (...)».