دفعت الوقائع والمعلومات في الساعات الأخيرة جميع القوى السياسية الى التفاؤل بقرب ولادة الحكومة. وبعد تراجعه عن شرط تمثّله بوزير من أعضائه، يعرض اللقاء التشاوري «شروطه» الإضافية اليوم أمام اللواء عباس إبراهيم... غيرَ أن مسك الختام يبقى مرهوناً بعقد أخرى لم تحسم بعد!
بعدَ نحو أسبوع على إطلاق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مبادرته لكسر حالة المراوحة في تأليف الحكومة، ارتفعَ منسوب التفاؤل في الساعات الماضية في البلاد إلى حدّ التنبّؤ بإبصار الحكومة النور قبلَ عيد الميلاد. الأنظار تشخَص اليوم الى الاجتماع الذي سيعقده المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم مع أعضاء «اللقاء التشاوري» في منزل النائب عبد الرحيم مراد، بوصفه (أي إبراهيم) «وسيط» التسوية بينَ الأطراف المُتنازعين، على أن يبلّغه النواب الستّة موقفهم من المبادرة الرئاسية وشروطهم لنقلِها الى المعنيين. فهل ستمثّل هذه الشروط عقبة على طريق التأليف أم ستسلُك دربها من دون مطبّات؟
هذا السؤال طغى على المشهد السياسي في بيروت، غداة قبول رئيس الجمهورية التخلي عن المقعد السنّي من حصته لمصلحة تمثيل سنّة 8 آذار، وتنازل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بموافقته على توزير ممثل عنهم، بعدما كان يُعدّ هذا الخيار انتحاراً سياسياً له. لا شكّ في أن تراجع عون والحريري يُعدّ «تقدّماً نوعياً» بحسب ما وصفته مصادر رفيعة المستوى في فريق 8 آذار، لكنه «تقدُّم يجِب أن يُستتبَع بخطوات أخرى أبرزها موافقة الحريري على الاجتماع بهم». لكن المصادر نفسها عادت وأكدت أن «الأمر سيان، سواء استقبلهم أم لم يستقبلهم»، قائلة إن «الرفض يُمكن أن يكون عثرة أمام التشكيل في حال أصرّوا هم عليه، لا سيما أن واحداً من الشروط التي يطرحها النواب السنّة هو الاعتراف بحقهم في التمثيل ببيان رسمي، واللقاء مع الحريري سيكون شكلاً من أشكال الاعتراف». في هذا السياق، جرى التداول أمس بمعلومات مفادها أن الحريري «وعد» إبراهيم بأنه سيحدد موعداً لاستقبال النواب الستة.
مصادر «التشاوري» أشارت إلى أن «النواب سيؤكدون أمام اللواء إبراهيم أن الوزير الذي سوف يسمّونه لن يكون تابعاً لرئيس الجمهورية، بل هو وزير يمثّل اللقاء في الحكومة»، كما أنهم «لن يطرحوا مجموعة أسماء للاختيار منها، على غرار ما حصل مع الوزير الدرزي الثالث، بل سيكون هناك اسم واحد لا فيتو عليه». ومن سلسلة الشروط التي تحدثت عنها المصادر أن «اللقاء مع رئيس الحكومة، في حال تمّت الموافقة عليه، لن يُعقد في منزله في وادي أبو جميل، فإما في السراي الحكومي أو في قصر بعبدا». واعتبرت المصادر أن التنازل لم يأتِ من جهة رئيسي الجمهورية والحكومة وحسب، بل إن اللقاء التشاوري قدّم بدوره تنازلاً حين وافق على تسمية شخصية من خارجه، مشيرة إلى أن «النواب الستة سيحمّلون اللواء إبراهيم رسالة إلى رئيس الجمهورية مفادها أنّ لهم حيثية شعبية تستوجب منهم تقديم الخدمات»، في تلميح إلى مطالبتهم بالحصول على حقيبة خدماتية، الأمر الذي اعتبرته مصادر بارزة في 8 آذار بأنه «فوقَ المستطاع». أما عن التباين في وجهات النظر بين أعضاء اللقاء، فقالت مصادرهم إنه «أمر طبيعي يحصل داخل الكتل، ومن كانَ يتمسّك برأيه بدأ يُظهر ليونة»، مؤكّدة أن «أعضاء اللقاء لم يتفقوا في ما بينهم على اسم من سيمثلهم بعد»، لكنه «لن يكون اسماً مستفزاً بل شخصية سياسية لها موقف مبدئي، وسيبدأ البحث بها حين تُقبل الشروط».
وكان اللقاء قد عقد أمس اجتماعاً في منزل مراد، أصدر بعده بياناً لم يأتِ فيه على ذكر شرط أن يكون ممثلهم في الحكومة واحداً منهم. كذلك الأمر في بيان «لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية والاسلامية» (8 آذار) الذي طالب أمس بتمثيل اللقاء التشاوري، من دون تحديد أن يكون الوزير أحد النواب الستة.
الوقائع والمعلومات التي يجري التداول بها لا شك في أنها تعبّر عن تقدم مسار تشكيل الحكومة بشكل جدي. غيرَ أن «الحذر» يبقى واجباً، بحسب الأوساط السياسية، التي تعتبِر أن «مِسك الختام» يبقى مرهوناً بعقَدٍ إضافية «قد يظنها البعض تفصيلاً ويتجاهلها»، وأبرزها:
عقدة التوزير الأرمني، بعدما حصلت «القوات اللبنانية» على مقعد أرمني مع حقيبة. وعادةً ما تكون حصة الأرمن وزيراً بحقيبة ووزير دولة، ما يعني أن حصة حزب الطاشناق ستكون بلا حقيبة، وهو ما يرفضه الحزب الأرمني الاول.
عقدة توزيع المقاعد المسيحية بينَ التيار الوطني الحرَ والقوات اللبنانية بعدَ حصول الأخيرة على مقعدين مارونيين (مع حقيبة لكل منهما)، ومقعد للأرمن الكاثوليك وآخر للأورثوذكس. وبالتالي سيكون توزيع وزارات الدولة بينهما أمراً صعباً إلا في حال تقرر إبقاء عدد المقاعد المارونية في الحكومة 7 وزراء (كما هي الحال في الحكومة الحالية) بخلاف العُرف السائد في الحكومات السابقة عندما كان عدد المقاعد المارونية مساوياً لعدد كل من المقاعد السنية والشيعية.