حين نستعمل مصطلح "الحرب النّاعمة" يذهب بنا الذهنُ إلى المؤامرات التطبيعية مع العدو الصهيوني، إلى الحرب النفسية التي احدى ساحاتها منصّات التواصل الإجتماعي، أو ربّما يُخيّل إلينا أنّها حرب نواجه فيها دومًا عدوًّا خارجيًا أو جبهة من التكفيريين الوهابيين أو "صهاينة" منتشرين على الشبكات الإفتراضية.
في الآونة الأخيرة، دخلنا، كبيئة المقاومة، في مرحلة جديدة من الحرب الناعمة. لنقل اتخذت المعركة شكلًا "محليًّا" يتمثّل بالهجوم الافتراضي، على كل من ثبتَ قربه من حزب الله. 
بعيدًا عن المزايدات السائدة، وكي نكون واقعيين، من قال إن جميع أفراد بيئة المقاومة يعيشون تحت خطّ الفقر؟ ومن افترض أنه يجب أن نكون كذلك كي لا نكون في موقع المتهمين؟
من قال إن على ابن نائب في حزب الله أن لا يقتني سيارة كي لا يضع نفسه وأباه وحزب الله في دائرة الشبهة؟

 

ومن قال إن جميع أولاد نواب حزب الله والقياديين فيه مقاتلون ومحرّم عليهم أن يدرسوا في جامعات الخارج؟ أين الشبهة أو التهمة الذي علينا أن نردّها؟
بيئة المقاومة ليست حالة مجتمعية خضعت للنسخ واللصق وصارت بيئة اجتماعية. فيها الأشدّ فقرًا وفيها الأغنياء وفيها أصحاب رؤوس الأموال وفيها ذوو الثراء الفاحش ومظاهر الثراء والاستعراض، وفيها "العائلات المستورة" التي بالكاد تحصل على قوت يومها، فيها حملة الشهادات العليا، من الجامعة اللبنانية ومن الجامعات الخاصة ومن جامعات لندن وباريس وبوسطن، وفيها الذين لم يحصلوا على الشهادة المتوسطة لفقر الحال أو غيره.
هنا، لا يسقط مفهوم "الحقد الطبقي" أبدا. هذه البيئة ليست استثناء عن سائر التجمعات البشرية التي تلتف حول فكرة أو عقيدة أو خيار. فيها تناحر طبقي قد لا يكون ظاهرًا كونه لا يتعلّق بالخيار والفكرة التي تلتف هذه البيئة حولها، أي المقاومة. لكنّ ذلك لا يعني عدم وجوده أو اخفاءه. ببساطة ثراء البعض وفقر البعض الآخر ليس قضية محورية تتعلق مباشرة بالمقاومة. واستخدام هذا الاختلاف الطبقي في الهجوم على المقاومة وناسها لا ينمّ إلا عن محاولة صنع شرخ في داخل البيئة.
وهنا يمكن استبيان الهدف من التصويب على ابن النائب علي عمّار واعتبار نمط حياته المترف حجة لمهاجمة حزب الله أو على ابنة النائب السابق نوّار الساحلي، الطالبة في احدى جامعات لندن،  ومقارنتها زورًا بمشهد تخرّج ابن سعد الدين الحريري من كلية حربية بريطانية. قليل من التفكّر يتيح لنا الخروج من النمط المعلّب.. لنكن واقعيين بالدرجة الأولى، ومنطقيين بالحد الأدنى. ويحتّم المنطق بالدرجة الأولى أن نستبعد الغوغائية في الحكم على الأمور.
خلط الأمور ببعضها بعضاً وبهذا الشكل لا يصبّ في مصلحة أحد. ركوب الموجات التي نعرف منشأها يضعنا من حيث لا ندري في دائرة التصويب على أنفسنا. تكمن الأشياء في رسم الأولويات، والخطوط العقلانية التي ترسم مساراتنا صوب هذه الأولويات أو تنطلق منها.
عزيزي المطبّل بصور محمد مهدي عمّار، هلّا سألت نفسك بماذا تتهمه تحديدًا؟ ما هو الدليل على كونه مدان بفقرك؟ ما هي الحجة التي سمحت لنفسك من خلالها باعتبار نوار الساحلي في دائرة الاتهام لكونه استطاع أن يرسل ابنته إلى جامعة في الخارج؟ هل يمكنك تعداد الشبّان والشابات الذين يعيشون النمط الذي لمحته في حياة ابن عمار أو ابنة الساحلي؟ عددهم كبير جدا وذلك لا يدين اهلهم. على الاقل، توخيًا للعدل، من وضعك في دائرة الحكم على كل من ينتمي إلى طبقة أخرى؟ هل يمكنك أن تؤكد أنّ كلّ الأغنياء خانوا وارتشوا وكل الفقراء قاتلوا؟ مقاربة بيئة المقاومة من باب التصويب على "أغنيائها" لا يحقق أي مطلب من مطالب الفقراء، لكنه ينقل الصراع المطلبي من ساحته الحقيقية إلى ساحة يحتشد العالم كي يكسرها، فحذار في لحظة ركوب موجة هوجاء أن تصطدم بنفسك، وتقع، كي يستريح منك أعداؤك.
وصلت "الحرب الناعمة" إلى أعتاب بيوتنا، تحاول كسر الحب الذي يربط بين أبناء الزقاق الفقير وسكان البيوت المترفة.. الحقد الطبقي مشروع، حزن الفقراء أمام صور الأغنياء مشروع أيضًا، لكنّ استخدامه الآن وبهذا الشكل وحصره بأبناء حزب الله يدين مستخدميه، ويجعلهم من حيث لا يدرون "جنوداً" سكنوا حصان طروادة.
 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع