للسّيادة وجوه كثيرة، إشارات ودلائل تشير إليها. وفي لبنان سيادتان منفصلتان تمامًا. باختصار، احداهما شعارٌ بلا مضمون، بل شعارٌ تمزّق فما عاد يكفي لستر نقيضه الذي هو ارتهان وانهزام وضعف وعمالة، مسح به حاملوه ماء الحياء عن وجوههم ومضوا إلى المنابر ينضحون بخوائهم، ويتغنّون بالاستقلال وبالحرية، وبالسيادة، دون ادنى احترام للمعاني اللغوّية لتلك المصطلحات، كي لا نقول تلك المفاهيم ونزيد قلة فهمهم للمعاني تعقيدًا. أما ثانيهما، فعزمٌ يضع العدو في مأزق من رعب وارتياب، وقوّة تردعه اذا ما فكّر بالعدوان المباشر، وكرامة مكتوبة بحبر الدم وعرق الجبين، وحقيقة يدركها بالفطرة أطفال بيئة المقاومة قبل أن يصبحوا رجالًا يعلّمون الكون، كل الكون، مفهوم السيادة ومعنى الحرية وطعم الاستقلال.
حاملو قميص السيادة بشكلها الأول لم يلحظوا أن الصهاينة يستبيحون سماء لبنان لقصف سوريا، العزيزة سوريا، تارةً ولارتكاب الغارات الوهمية بدوافع سياسية ترفد نتنياهو ببعض الثقة في مجتمعه الاستيطاني الهجين.. تمامًا كما لم يجدوا في حرب تموز ٢٠٠٦ وما قبلها من مجازر واعتداءات وارتكابات اي مسّ بالسيادة.. وكما لم يتحسّسوا وجه سيادتهم حين تمّ احتجاز، وقيل صفع، رئيس حكومة لبنان واجباره على الاستقالة، ولو كان لجدران الريتز حينها شفاه وألسن لنطقت اشمئزازًا من "قلة الكرامة"! هؤلاء، صمتوا عن كل انتهاك لأعراض سيادتهم المزعومة ولم ينطقوا بحرف اعتراض، ولو رفعًا للعتب، بل على العكس تباهوا بعارهم وتفاخروا حتى يظن السامع أنهم فعلًا يعانون من سوء فهم للمصطلحات ولا بد أخطأوا في تعريف مفهوم السيادة، فظنوه ارتهانا وانبطاحا واستسلاما وارتزاقا.. كادت اللّغة أن تخرج من معاجمها وتصفعهم، أو تسألهم عمّن علّمهم العربية مغلوطة بهذا الشكل، حتى نطقوا بها شكلًا والمضمون يحاكي العبرية!
وهؤلاء، بطبيعة الأحوال، وقد رهنوا أنفسهم للسعودي حينًا وللأميركي الصهيوني في كل حين، سيصعب عليهم أن يخفوا فرحتهم بأن تكون سماء البلاد التي ترابها بالدم تحرّر، بوابة اعتداء على سوريا التي أدبتهم عمرًا وما طمر فيهم الأدب ولا العمر.. فكانوا السكين التي سعت نحو خاصرتها، فانكسرت وما زالت تحاول أن تنغرز فترضي بذلك ربّ عملها ووليّ أمرها. وهيهات أن يتمكّن الوكيل ممّا عجز الأصيل عنه.. هيهات أن ينجح الذيل حيث الرأس هوى وتحطّم!
سوريا، التي وعدها لبنان ذات تحالف طبيعي وتاريخي ولو كره الكارهون، أن لا يكون ممرّا ولا مستقرًّا لعدوان عليها، تتلقى الطعنات من كل حدب وصوب، وتقاتل العالم كله عن كل احرار العالم، تصمد أمام النار وبماء العين تطفىء اللهيب الذي تكفير وغدر على الأرض، واعتداءات جوية تمرّ من سماء لبنان! يا خجلنا! صحيح أنّها لا تؤاخذنا بما فعل السّفهاء منّا، وتعلم أن خيرة رجال لبنان فدوا ياسمينها بدمع القلوب وبالدم.. الا اننا لا بد نخجل من كون الموكلين سياسيا على الاقل بحفظ سيادة لبنان، قد باعوا انفسهم والسماء للشيطان، وصحوا ليلهم بانتظار ان تسقط سوريا العرين، ثم ناموا يلتحفون خيبتهم، باحثين في عالم الاحلام عن درب "رجعة" تتيح لهم العبور إلى موعد في حضرة الأسد..
طالت الحرب وكل حروب الحق آخرها النصر.. وبشائر النصر في سوريا فواحة كما العطر في أزقة الشآم العتيقة.. والسيادة المزعومة في "قطعة السما" تفوح نتانة كجثة موبوءة في العراء.. 
أيتّها العزيزة الغالية شآم الروح، ها نحن هنا والقلوب في حاراتك تودّ أن تتصدى مع "الجويّة" للغارات المعادية.. نحن أبناء السيادة الحقيقية التي نعرفها معمّدة بالدم كما تعرفينها.. السيادة التي تولى أمرها رجال من طينة الكرامة والقوة، والتي ما اكتفت بالردع ومضت بنا إلى زمن تهديد العدو الصهيوني، والتي كتبت لنا أبهى الأقدار بأن نعيش زمن الانتصارات.. والتي أمينها سيّد مسكنه القلوب، وصانعها عمادٌ ما ارتضى الا النصر قدرًا وطريقاً.. والتي قبّلت تراب الشآم ساخرة بالحدود ومقيمة استراتيجية دفاعية بعيدا عن مسرحية النواظير وسخافة قوة لبنان في ضعفه، نحن أبناء السيادة التي من تراب وحب، وليس منّا من ارتضى ولو ليوم أن تكون هذه السماء درب العدو إلى سمائك.
 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع