بعد إصدار الكونغرس الأميركي قانون تجفيف منابع تمويل حزب الله، تقدم 26 إسرائيلياً بدعوى ضد 11 مصرفاً لبنانياً، مطالبين بتعويضات عن خسائر لحقت بهم في حرب تموز 2006! تزامنت هذه الدعوى مع أخرى تقدّم بها نحو 252 أسرة أميركية، قُتِل أحد أفرادها أو جرح خلال مشاركته كجندي في قوات الاحتلال الأميركي للعراق (2003 ـــ 2011)، مطالبة المصارف الـ 11 نفسها بدفع تعويضات مالية عن الخسارة التي لحقت بها، متهمة المصارف بـ«التآمر مع حزب الله». هذه المصارف التي تُعدّ من أكثر المؤسسات المالية في العالم امتثالاً لقرارات العقوبات الأميركية وللقوانين الصادرة في واشنطن!

تقدّم 26 إسرائيلياً بدعوى أمام القضاء الأميركي، ضد 11 مصرفاً لبنانياً (سوسيتيه جنرال، فرنسبنك، الشرق الأوسط وأفريقيا، بلوم، بيبلوس، عوده، بنك بيروت، لبنان والخليج، اللبناني ــــ الفرنسي، بيروت والبلاد العربية وجمّال ترست) مطالبين بتعويضات مالية منها، جرّاء أضرار جسدية ونفسية وعاطفية ومالية لحقت بهم وبممتلكاتهم نتيجة صواريخ المقاومة التي سقطت في شمال فلسطين المحتلة، إبان التصدي لعدوان تموز ــــ آب 2006. الدعوى التي أقيمت في الثاني من الشهر الجاري، سبقتها دعوى مماثلة في اليوم الأول من العام الجديد، تقدّمت بها نحو 252 أسرة أميركية تمثّل جنوداً أميركيين قُتلوا أو أصيبوا أثناء مشاركتهم في القتال في صفوف قوات الاحتلال في العراق بين عامَي 2003 و2011، بدعوى لتحصيل بدل «عطل وضرر» من المصارف اللبنانية الـ 11 المذكورة. وتتهم هذه الأسر المصارف بتقديم الدعم المالي والمصرفي والتآمر، عن وعي، مع حزب الله!
دعوى الإسرائيليين تقدّم بها مكتب «بركمان»، أمام محكمة في نيويورك، حيث تقدّم ثلاثة مكاتب محاماة (OSEN LLC، Associate PA & Turner ،Motley Rice LLC) بدعوى أسر الجنود الأميركيين. وأحد المكاتب الأربعة سبق أن خسر الدعوى بوجه البنك العربي بتهمة تمويل الإرهاب أيضاً، وهو مكتب متخصص بالجرائم المالية المتصلة بعمليات الإرهاب وتبييض الأموال.
بحسب مصدر مصرفي، الدعويان (إحداهما تبدو منسوخة عن الأخرى) مبنيتان على افتراءات بهدف الابتزاز المادي، فهما تحاولان الربط بين المصارف اللبنانية وعلاقتها مع مصارف المراسلة في أميركا، وبين المعارك العسكرية التي دارت في العراق على يد الاحتلال الأميركي هناك والتي أدّت إلى مقتل وجرح جنود أميركيين في تفجيرات ومعارك وأعمال قنص وسواها في الفترة الواقعة بين 2003 و2011، وبين وجود حزب الله والوجود الإيراني هناك. وبحسب نصوص الدعويين فإن «المدعى عليهم (المصارف اللبنانية) كانوا على علم بدورهم الحيوي في مساعدة حزب الله في أعماله غير المشروعة التي تتضمن تبييض الأموال والتهريب عبر الحدود. كما كانوا على علم بأن مساعدتهم للحزب تؤدي دوراً أساسياً في نشاطات عنفية تهدّد الأرواح و(في نشاطات) الإرهاب الدولي».
واستندت مكاتب المحاماة إلى مصدرين رئيسين: وزارة الخزانة الأميركية التي حدّدت النشاطات المالية والتجارية لحزب الله، والمعلومات المتداولة إعلامياً عن مشروع ”كاسندار“ المتعلق بنتائج التحقيقات التي تزعم إدارة مكافحة المخدرات في أميركا أنها أجرتها بشأن نشاطات حزب الله الدولية. ويمكن اعتبار نصّي الادعاءين كتلخيص لغالبية قرارات العقوبات التي أصدرتها وزارة الخزانة الأميركية طوال السنوات الماضية، بحق أشخاص ومؤسسات زعمت أنهم يساهمون في تمويل حزب الله.
وتشير الدعويان إلى أن المحاكم المدنية في الولايات المتحدة الأميركية هي صاحبة الاختصاص، كون الضحايا وقعوا بسبب نشاطات متصلة بالإرهاب الدولي، وكون المدعى عليهم يستعملون مصارف المراسلة الأميركية والمؤسسات المالية الأميركية على مدى زمني طويل، في خدمة حزب الله بشكل متكرّر وتسهيل تحويل الأموال عبر الولايات المتحدة الأميركية لانتفاع الحزب.
يطلب المدعون أن توافق المحكمة الأميركية على طلبها بمحاكمة 11 مصرفاً لبنانياً ومن يظهره التحقيق بتهمة التآمر، على أن تحدّد المحكمة العطل والضرر.
إزاء هذا التطور، عقد مجلس إدارة جمعية المصارف اجتماعاً أمس لمناقشة ما حصل. وبحسب مصادر المجتمعين، فقد كان هناك توافق على أن الدعويين لا تهدفان سوى إلى الابتزاز المالي، وهذا الأمر واضح من اسم مكتب المحاماة (OSEN) الذي كان قد رفع دعوى ضدّ البنك العربي بتهمة تمويل الإرهاب وخسرها بعد 12 عاماً، رغم أن إدارة البنك أظهرت خوفاً وعقدت صفقة مع المدعين قبل صدور الحكم النهائي، تنص على أن يخصص البنك العربي مبلغاً من المال ضمن حدّ أدنى يدفع مباشرة، وحدّ أقصى لا يدفع إلا بعد خسارة الدعوى. والدعويان، بحسب المصادر، مرفوعتان على الأسس نفسها التي اعتُمِدَت بوجه البنك العربي، وإن كان هناك اختلاف يتعلق بكون الدعوى المرفوعة على البنك العربي جزائية، فيما الدعويان ضد المصارف اللبنانية مدنية.


النقاش تطرّق أيضاً إلى سبل المواجهة التي ستكون عبر خطين: أن تقوم الجمعية بالمراجعات العامة من خلال تحرّك جماعي للطعن بحق المحكمة في قبول الدعويين، انسجاماً مع ما حصل قبل نحو 10 سنين حين رفضت المحكمة قبول دعوى مماثلة بحق مصارف لبنانية وصدر حكمها خلال بضعة أسابيع. والخطّ الثاني، هو أن يقوم كل مصرف، وبشكل منفرد بتعيين محام ليدافع عنه أمام المحكمة الأميركية في حال قبلت الدعوى. والدفاع المنفرد سببه أن هناك ادعاءات مختلفة على كل مصرف وبشكل جماعي أيضاً، ما يحتّم أن يقوم كل مصرف بالدفاع عن نفسه تبعاً لمعطيات الدعوى التفصيلية.
ورغم الطابع الابتزازي المالي للقضيتين، فمن الصعب فصلهما عن سياق الضغوط الأميركية على لبنان، بهدف تأليب الرأي العام على حزب الله، وتحميله مسؤولية أي ضرر يصيب الاقتصاد اللبناني بشكل عام، والقطاع المصرفي خاصة، رغم أن هذا الأخير «شديد الامتثال» لقرارات العقوبات الأميركية على أفراد ومؤسسات تزعم واشنطن أنهم يمولون حزب الله. كما أن بعض المصارف تبالغ في تطبيق ما يطلبه الأميركيون منها، سواء في ما يخص العقوبات على حزب الله أو على سوريا، فتتخذ إجراءات بحق أشخاص غير مشمولين بالعقوبات، لمجرد وجود صلة قرابة عائلية بأفراد وردت أسماؤهم على لوائح العقوبات، أو تمتنع عن تسليم المعاقَبين الأموال الموجودة في حساباتهم المجمّدة. وتحمل الدعويان (أول ما يلفت النظر فيهما هو التنسيق بين جهتين، أميركية وإسرائيلية، في التوقيت والشكل والمضمون، لربط المصارف اللبنانية بحزب الله) مخاطر كبيرة في حال قبولهما والفوز بهما، كونهما ستشكلان سابقة يُبنى عليهما لاحقاً لابتزاز القطاع المصرفي اللبناني من قبل الأميركيين والإسرائيليين.

المصدر: محمد وهبة - الاخبار