غزت مفاهيم التكنولوجيا بأطياف شتى سلوك الناس اجتماعياً واقتصادياً، وربما في صورٍ عديدة دينياً أيضاً. من هنا، باتت العديد من المصطلحات ترافقنا، وان لم نكن قد تربينا عليها في صغرنا.
تكنولوجيا المعلومات، المصطلح العلمي الرائج في هذا الزمان، يعنى بمجموعة من الأدوات والعمليات والمنهجيات كتلك المتعلقة بالتشغيل الآلي للمؤسسات ومراقبة النظم وتحليلها وتصميمها، إلى كل ما هو متعلق ببرامج المعلوماتية وأدوات الحواسيب وشبكات المعلوماتية.
الإدارة الرقمية، المصطلح الذي سيرافقنا ويلازمنا وان لم نتلفظه، هي أسلوب لسلوك اقتصادي يقوم على إدارة المؤسسات والأعمال بنمط تطغى فيه استخدامات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على كل ما هو تقليدي قائم على المستندات الورقية والمعاملات المباشرة ان بين المدير والموظفين، وان بين المؤسسة نفسها وزبائنها.
الإدارة الرقمية تحتم على روادها سلوكاً خاصاً من المعاملات الإدارية والوظيفية، فهي تلزم من استطاع إليها سبيلا أن يكون حاضراً في الزمان، وغالباً ليس بالضرورة المكان. فهنا الموظف أو العامل يتبلغ توجيهات ادارته العليا الكترونيا، مما يحتم عليه في كثير من الأوقات ان يتجاوز حدود زمان العمل ليقوم بالمهام المكلف بها بعيداً عن مكان العمل، الذي من الممكن أن يكون في أساسه افتراضيّا.
في ظل هذا التحول الرقمي، وأمام الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي في لبنان، ما هو واقع الإدارة الرقمية في مؤسساتنا وشركاتنا وأين العامل اللبناني اليوم من واقع الإدارة الرقمية؟
مما لا شك به أنّ سلوك الناس على هذا الكوكب أصبح متشابهاً إلى حد كبير بفعل تأثيرات شبكة الانترنت وما تتشارك به الناس من مختلف العالم خصوصاً مع وجود ما يُسمى بمواقع التواصل الاجتماعي. لذا نلحظ أنّ مفهوم الإدارة الرقمية بدأ شيئاً فشيئاً ببسط رحاله على العديد من المؤسسات والشركات الخاصة في لبنان في ظل غياب شبه كامل لهذا المفهوم في المؤسسات والإدارات العامة. الحكومة الإلكترونية في لبنان، وهي ما تبتغيه الإدارة الرقمية من المؤسسات والإدارات العامة، تبدو كجنين لم تعقد بعد نطفته بالرغم مما قد بذلته وزارة التنمية والشؤون الإدارية في السنتين الأخيرتين. الوزارة التي بذلت طاقة جبارة على عكس ما كنّا نعهده من ديدن ومسلك الوزارات في لبنان، أدركت أنّ التمهل في عقد نطفة هذا الجنين خير من ولادته معوقاً في ظل معدل الأعمار المرتفع لموظفي الدولة، وما ينتج عنه من حالة اللاتأقلم مع مفهوم التكنولوجيا في المؤسسات والإدارات العامة، ناهيك عن عوائق أخرى تتعلق بالفساد الإداري والشح في الموارد البشرية المتخصصة.
تعتبر الإدارة الرقمية في القطاع التربوي الخاص في لبنان من أكثر الأساليب المعتمدة في المدارس والجامعات الخاصة في لبنان، في ظل اعتماد أكثر من 73% من الجامعات الخاصة أسلوب تبليغ الطلاب والموظفين والأساتذة لمذكرات وقرارات رسمية عبر تطبيقات الهواتف الذكية أو عبر البريد الإلكتروني، ناهيك عن الاعتماد الكامل على برامج لنظم المعلومات لإدارة البيانات التربوية والمالية والثقافية والبشرية.
واقع المدارس الخاصة يشبه واقع الجامعات الخاصة في لبنان في هذا الشق، ولكن بنسبة لا تتجاوز الـ 43% من مجموع المدارس الخاصة على كافة الأراضي اللبنانية.
تنخفض تطبيقات الإدارة الرقمية في القطاع الصناعي، مع ضعفه الكبير في لبنان، إلا أنّ عدداً لا بأس به من المؤسسات والشركات الصناعية تطبق هذا المفهوم بأبعاد تتباهى بها تطبيقات الذكاء الصناعي لتحد بشكل كبير من اليد العاملة بآلات ومكنات تستنسب وتتوقع وتنفذ ما تراه مناسباً وفقاً لبيانات وقواعد مخزنة مسبقاً.
وبالرغم من الغياب شبه الكامل لتطبيقات الإدارة الرقمية في المجال الزراعي، نلحظ دخولاً مثيراً في الآونة الأخيرة لهذه التطبيقات في المجال الخدماتي والتجاري مع ازدياد تأثيرات التسويق الإلكتروني خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا النوع من التسويق وفي ظل واقع لبناني تنشط فيه العديد من مؤسسات وشركات الشحن الداخلي والخارجي، حتّم على مطبقيه استخدام أساليب الإدارة الرقمية لإدارة أعمالهم صغيرة كانت أم كبيرة في ظل عدم ارتهانهم لا لزمان ولا لمكان.
من هنا، ومن واقع اقتصادي ومعيشي تكثر فيه نسبة البطالة التي تلامس في بعض المناطق الـ 55%، وفي ظل رأس المال الضعيف الذي قد يملكه أي مستثمر بغية إطلاق مشروع اقتصادي، لا بد لنا من الإشارة الى أنّ تطبيقات ريادة الأعمال الإلكترونية قد تساهم في إعادة إنعاش الواقع الاقتصادي المتردي.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع