"مرضية هاشمي"، الصحافية الإيرانية المعتقلة لدى الولايات المتحدة الأميريكية بتهمة لم يتم حبكها حتى الآن، صارت اليوم هي الخبر الأحدث عن حكاية "الخروج عن طاعة الأميركي"، رغم أنها لم تكن يوما تحت سقف هذه الطاعة، إلا أن كونها مولودة في أميركا، وتعيش في ايران وتحمل جنسيتها وتنتمي إلى النهج الثائر والمحور الذي يحطم كل يوم قرن الشيطان الأميركي، جعلها عرضة لغضب الديمقراطية الأميركية الذي دفع بالسلطات هناك إلى اعتقالها حال وصولها في زيارة لأهلها. فالأميركي، المصاب بالفوقية البلهاء، يعتقد أن كل من ولد في أميركا يتبع لها، وبالتالي تُعاقب اليوم مرضية هاشمي على اختيارها الحق جنسيةً وهويةً وهوى، وعلى لفظ ورفض "الحلم الأميركي" وإن كان بمتناولها.
لسنا بصدد إظهار القضية كدليل إضافي على كذبة الحرية والديمقراطية التي يسوقها الأميركي في المنطقة، فهذه من بديهيات النظر إلى العدو الأميركي. وليست مرضية هاشمي أول ولا آخر من مارس عليه "الحر الديمقراطي المنفتح" الأميركي كل ابداعاته في الاساءة والظلم.. الحقد الذي تجلى في كل مراحل اعتقالها لا سيما قي تصويرها بدون حجابها يعود بنا إلى العصور التي ساد فيها التوحش سنّة وسمة ونمط حياة. كأنهم وجدوا في غطاء رأسها رمزا لكل من يعاديهم في هذا الزمان، فأفرغوا فيه، بكل ما اوتوا من حقيقة ديمقراطيتهم، حقدهم وهزيمتهم.
لا يمكن معالجة الموضوع بدون موقف مسبق وبدون خلفيات ثقافية وعقائدية وسياسية، والموضوعية في قضايا كهذه تشبه حقارة "الاعتدال والتروي وانتظار التحقيقات" في النظر إلى كل الجرائم التي ارتكبها الأميركي وما زال يرتكبها في كل بقعة من بقاع هذه الأرض.. منذ اقتلاع الهنود الحمر من أرضهم إلى تغميس لقمة الشعوب الحرة بالدم وبالبارود. إن ادعاء الموضوعية تحديدا وفتح باب الخيال لاحتمالات قانونية تبيح للأميركي اعتقال حرة إيرانية هو إما فعل مأجور أو غباء فاضح، وفي الحالين عمالة من صنف خسيس.
مرضية هاشمي، تعرضت لما يشبه ما يتعرض له الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الصهيوني، والأسرى والأسيرات في سجون أنظمة دول الخليج وعلى رأسها الكيان السعودي المحتل لأرض الحجاز، وتطول لائحة الحالات المشابهة، إلا أن الفارق الوحيد أن الأميركي بنفسه قام بالاعتقال، في سجونه شخصيا، لتوهّمه المريض بأنه يمارس حقا يدعيه قانونيا على امرأة ولدت في أميركا.
الآن، نعلم أن حملات التضامن لا تفك قيود أسير لدى العدو الأميركي في كل بقاع الأرض، وأن كل الكلمات لا تخفف قطرة من قهر المظلوم، ونعلم أن قضية مرضية هاشمي ستجد حلا في أروقة وزارة الخارجية الأميركية لأن وزارة خارجية الجمهورية الإيرانية لن تسكت قبل تحريرها. هذه القضية لم تستفز دعاة احترام حقوق الانسان وحرية التعبير وحصانة الصحافيين والحق بالاختلاف وحرية المعتقد (مع التحفظ على كل هذه الشعارات المنافقة) حتى إلى موقف "يشجب" ما تعرضت له صحافية حرة تلتزم القوانين.. أما لو اعتقلت طهران شخصا أميركيا او اوروبيا متهما بتجاوز القوانين، كنا سنراهم يتهافتون إلى شجب العمل الإبراني واعتباره تعديا على حقوق الانسان وكل ما سبق ذكره من شعارات. لذا، لتكن قضية اعتقال مرضية هاشمي مناسبة لنقول فيها لهؤلاء أن راجعوا عقولكم التي تكيل بمكيالين، كما في كل القضايا، وكما في كل المحطات، واجتنبوا المرور قرب المرايا، كي تجنبوا أنفسكم ما يصيبنا من اشمئزاز كلما رأيناكم على المنابر والشاشات.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع