تتهيأ بيروت للقمّة التي على ما يبدو رُفعت جلساتها قبل أن تبدأ. فالقمّة التي يزهو مستضيفوها عادة بحضور رؤساء الدول إليها، ستُعقد بمن حضر وما أُرسل من اعتذارات على رأسها وأهمها الإعتذار السوري.
خيبة آمال المزهوين بانعقاد القمة في بيروت توجب علينا الإشفاق على حالهم، أو على الأقل عدم تذكيرهم بالأسباب الموضوعية التي تجعل من لائحة الاعتذارات أمرًا متوقّعًا. فصهوة الوهم التي اعتلوها لا تؤدي لغير الفشل.
بكل الأحوال، ارتدت طريق المطار حلّة استقبالية حافلة بفلسطين، جميلة بألوان الشعارات المعادية للتطبيع. تهيأت لاستقبال من سيحضر بهويتها الحقيقية التي يحاول عربان الخليج ومستعربو الدول الحليفة للأميركيين طمسها.. لبست صوَر عزّ المقاومة وتبسمت بفرح قد يستفز الكثير من المشاركين، على قلّتهم، محليًّا وعربيا ودوليا.
طريق المطار، التي تمتد بموازاة ضاحية الإباء، لا يفوتها واجبٌ. رفعت هويّة بيروت الأصلية: مدينة مقاومة، وزنّرت بالهوى الفلسطيني أعناق اليافطات.. قالت إن هنا الضاحية، التي تفرّجتم على العدو الصهيوني يمعن فيها تدميرًا، قد عادت أجمل مما كانت وأقوى، متمسكة باحتضان ابنتها المقاومة، والوجهة فلسطين.. هنا المدينة التي تدخل عبرها إلى بيروت، العاصمة التي تأبى أن تشبه "وسط البلد" الهجين الذي يشي بألف صفقة مشبوهة، والذي أراد "صانعه" ومن بعده وريثه أن يكون على الصورة والمضمون الذي يرضي حكام الخليج، وعلى رأسهم بنو سعود.
تتسارع وتيرة التحضيرات. يسعى بعض المنظمين إلى تجاهل اعتذار بعض الرؤساء عن الحضور في احتفالية من مكابرة متبادلة. فهؤلاء قد لا يستسيغون الحضور أو المرور في أرض شهدت على هزيمة حليفهم الصهيوني. وللبعض الأخر أسبابه التي تتفاوت بين الموضوعية والكرامة.. الكرامة التي اتت حصرا على شكل اعتذار سوري عن عدم المشاركة.. وهل يمكن أن تسمّى القمم باسمها إن اعتذرت الشام عن الحضور؟
يسرح الخيال قليلا ولا سيّما أن الحدث بمضمونه يبلغ الخواء. يمكننا أن نتخيّل مثلا وجه سعد بن رفيق الحريري، المكلّف بالتعطيل، وهو يتلقى الاعتذارات الحليفة عن عدم الحضور.. يبتلع ريقه كي لا يقع في محظور العتاب، ثم يبتسم مكابرة ويطمئن إلى لائحات الطعام التي ستكون على مائدة الحاضرين، على حسابنا. يتلعثم أمام هيبة الاعتذار السوري. يقرأه جيّدا وقد لا يحتاج إلى مستشار يترجمه له: سوريا تقول باعتذارها: لا وقت لدينا لنضيعه في الحضور بين من ساهموا، مباشرة والتفافًا، في تدمير سوريا. فالوقت السوري ثمين، كما في الحرب كذلك في إعادة الإعمار.
تفتتح القمة جلساتها إذاً يوم غد، وعلى شرف المدعوين إليها أقفلت الإدارات والمؤسسات العامة في كل لبنان، وكذلك المدارس والثانويات والمعاهد في محافظة بيروت وجانبي طريق المطار بحسب مذكرة وزارة التربية. فالمنظمون يريدون يومًا هادئًا يبتهجون فيه بزوارهم بعيدا عن زحمة السير واليوميات الحافلة بالفوضى التي يفوح الفساد من كل مسامها. لكن ذلك لن ينفي حقيقة أن غدنا ككل أيامنا، شاهدٌ على فساد موظفي الإدارة الأميريكية في لبنان، وشاهدٌ ككل الأيام على حقيقة أن ما جعل بيروت وسائر الأرض اللبنانية مكانًا يحفظ اسمه جيدا كل رؤساء وساسة العالم، هو سلاح اسمه المقاومة، وحتمية اسمها: زمن الانتصارات على محور الشر في العالم قد بدأ. فأهلا وسهلا بالحاضرين، نتمنى لكم إقامة مريحة، ونخص الحاضرين من الخليج "الأميركي" وحلفائه، نتمنى لكم أن تكتسبوا عدوى الكرامة لتكون "القمم العربية" بمختلف اختصاصاتها منتجة وجديرة باسمها..
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع