يبدو أن جدول أعمال زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الشهر المقبل للبنان، ستكون محمَّلة برسائل تهديد إسرائيلية، في تكرار لتهديدات وردت من تل أبيب في الماضي البعيد والقريب، حول ما تسميه «فاعليات تطوير صواريخ حزب الله».
الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، توجه أمس إلى باريس للقاء ماكرون في قصر الإليزيه، في زيارة بدت أنها مخصصة لطلب نقل رسائل التهديد إلى لبنان. وصاحَب ريفلين قائد سلاح الجو الإسرائيلي عميكام نوركين، لإعطاء صدقية أكبر للتهديدات، مع عرض خرائط ومواقع قيل إنها تتعلق بمواقع تطوير صواريخ في لبنان، الأمر الذي يناقض تأكيدات صدرت أخيراً من تل أبيب، شددت فيها على انتفاء وجود مصانع تطوير تنتج الصواريخ الدقيقة في لبنان.
تعد زيارة ريفلين ونوركين ارتقاءً في سياسة نقل رسائل التهديد الإسرائيلية إلى لبنان، من خلال مسؤولين غربيين يصلون إلى بيروت. وإذا كان الارتقاء يتعلق بعلانية الرسائل هذه المرة، إلا أنها في المضمون استنساخ لرسائل سابقة، تسعى إسرائيل من خلالها إلى إشراك الغرب في مساعيها لمواجهة تعاظم قدرة حزب الله العسكرية، عبر التهديدات والضغوط السياسية، في موازاة محاولة تعزيز موقف خصوم المقاومة في لبنان، وتأليب الرأي العام الداخلي على التوجه الرسمي للدولة اللبنانية التي تبقى الهدف الأول للتهديدات.
بالطبع، يثير الإصرار الإسرائيلي على وجود فاعليات تطوير نوعي لترسانة حزب الله الصاروخية في لبنان، ومن ثم التراجع عنها لاحقاً، فالعودة إليها، أسئلة عن الأهداف المرجوّ تحقيقها من ذلك، رغم إقرار تل أبيب العملي حتى الآن، بخصوصية الساحة اللبنانية وتعقيداتها، قياساً بالساحة السورية، مع الإدراك المسبق أن أي رهان على خيارات عسكرية، سيواجَه حتماً بردّ من شأنه لجم هذه الخيارات، أو تسريع المواجهة إن كانت مقررة إسرائيلياً.
في هذا السياق تأتي زيارة ريفلين - نوركين لماكرون، لكن مع استعجال هذه المرة في إعلان نقل الرسائل إلى لبنان قبل أن تصل إليه عبر ماكرون نفسه، وهو ما يفسّر التسريب المقصود للإعلام العبري، عمّا ورد على لسان ريفلين خلال اللقاء، والتحذير الصادر عن لسانه بشأن تطوير الصواريخ في لبنان. فهذا التطوير يُعَدّ من ناحية تل أبيب «تعريضاً لأمن إسرلائيل للخطر، ومن شأنه أن يجبرها على الرد، الذي من شأنه أن يجرّ المنطقة كلها إلى التصعيد، ويلحق ضرراً جسيماً بلبنان».
تصريحات ريفلين التي صدرت وهو يقف إلى جانب ماكرون، تستدعي التأمل، خاصة أن تهديداته ترتبط بفرضيات ردّ من الساحة اللبنانية على اعتداء إسرائيلي تهدّد به تل أبيب لبنان بمناسبة أو غير مناسبة، وإن لم يأتِ ريفلين على ذكر الاعتداء بصورة مباشرة: «لبنان يتحمل المسؤولية السيادية عن أعمال حزب الله. لفرنسا تأثير أساسي في منطقتنا، وفهمها أن حزب الله جزء من النظام اللبناني يُعَدّ أمراً حيوياً. الرئيس اللبناني (ميشال عون) لا يستطيع أن يتنصل (من المسؤولية) إذا أطلقت الصواريخ الإيرانية باتجاه إسرائيل».
مع ذلك، أكد ريفلين أن إسرائيل «لا ترغب في خوض حرب مع لبنان، غير أنها لن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء ما يقوم به لبنان من انتهاكات متكررة للقرار 1701، إضافة إلى تزوّد حزب الله بأسلحة متطورة».
تهديدات ريفلين التي ستنقل أيضاً خلال زيارة ماكرون بتفصيلات وافية أكثر إلى لبنان، جزء لا يتجزأ من السياسات الإسرائيلية المرتكزة على عامل التخويف والردع لمنع أعدائها من تعزيز قدراتهم الدفاعية. فتل أبيب تخشى من وصول أعدائها إلى مرحلة «الإشباع التسليحي الدفاعي»، ما يعني خسارتها إمكانية تفعيل خياراتها العسكرية - أو التهديد بها - لفرض ارادتها السياسية على لبنان. تهديدات شهد لبنان مثيلاً لها في الماضي البعيد والقريب، وسيشهد مثيلاً لها في المستقبل، مع أو من دون تفعيلها ميدانياً.