ارتفعت في الآونة الأخيرة، وتيرة الحملة الإعلامية، المُرافقة للضغوط السياسية، ضدّ اللبنانيين في «المثلث الحدودي» (الباراغواي - البرازيل - الأرجنتين). و«النصائح» تُغدق على «إسرائيل» من أجل «مُساعدة» الدول اللاتينية في محاربة «شبكات حزب الله الإرهابية». يجري ذلك فيما الدولة اللبنانية لا تبذل الجهد الكافي لمواكبة ما تتعرّض له الجالية هناك
«في وقتٍ يبدو فيه الصراع بين إسرائيل وحزب الله مُمكناً أكثر من أي وقت مضى، يجب على إسرائيل أن تضع المعركة مع شبكات تمويل الإرهاب التابعة لحزب الله في أميركا اللاتينية على سُلَّم أولوياتها الإقليمية». وردت هذه «النصيحة»، في مقالةٍ نشرتها «جيروزاليم بوست» في 16 كانون الثاني، وكتبها المسؤول في «مركز الدفاع عن الديمقراطية» (يتلقى المركز أموالاً من منظمة المؤتمر اليهودي العالمي) إيمانويل أوتولينغي. المقالة تأتي في سياق الحرب الباردة التي تشنّها الولايات المتحدة الأميركية، بمساعدة «إسرائيل»، على اللبنانيين أجمعين في بلاد أميركا اللاتينية، وتحديداً الباراغواي والأرجنتين والبرازيل. يُتَّهم المغتربون بأنّهم يُبيضون الأموال لمصلحة حزب الله، ويُديرون شبكات «إرهابية»، ويجري التحريض عليهم عبر التشهير بهم وإدراج بعضهم على لائحة العقوبات الأميركية. قسمٌ من رجال الأعمال اللبنانيين، غادر تلك البلاد، أما محمود بركات ونادر فرحات وأسعد بركات، فأدخلوا إلى السجن. لم يُستثنَ أحدٌ من الاتهامات والتهديدات الأميركية، حتّى المدارس والكشافة.
أتت أخيراً موجة اليمين المُتطرّف التي تلفح بلداناً لاتينية، لتُشكّل مُتنفساً للإدارة الأميركية والعدو الاسرائيلي، وتتحول إدارة هذه الدول رسمياً إلى «دمى» بيد واشنطن. والتعويل الأكبر، هو على الرئيس البرازيلي الجديد جايير بولسونارو، «الذي يُقدّم انتخابه لإسرائيل أول فرصة لمواجهة التهديد الذي يسبّبه حزب الله في المثلث الحدودي (الحدود التي تجمع بين البرازيل - الباراغواي - الأرجنتين)». يستفيض إيمانويل أوتولينغي، في مقالته، في شرح الدعم الذي يجب أن تُقدّمه «إسرائيل» إلى بولسونارو من أجل «اتخاذ إجراءات صارمة ضدّ حزب الله. مكافحة تمويل الأخير للإرهاب مصلحة إسرائيلية حيوية». ويُضيف أنّ إلمام العدّو ببيئة المقاومة في جنوب لبنان، «من شأنه أن يُساعد في تحديد شبكات حزب الله في أميركا الجنوبية، ويُمكن إسرائيل أيضاً أن تُساعد في التحقيقات الجنائية». لا يكتفي إيمانويل أوتولينغي بهذا القدر، فينتقل في مقالته إلى التحريض على الباراغواي لأنّها «تستمر بالتواطؤ مع حزب الله، ولم تعالج شبكاته الإرهابية. وما إن انتُخب ماريو عبدو رئيساً، حتى أعاد سفارة بلاده من القدس إلى تل أبيب». القصّة لم تعد تقتصر على اللبنانيين. فمن أجل ضمان التزام الباراغواي الأجندة الأميركية، تهدّد واشنطن أسانسيون بإدراجها على «القائمة الرمادية»، التي تضمّ دولاً لا تبذل، من وجهة نظر الولايات المتحدة الأميركية، جهداً كافياً لـ«محاربة تمويل الإرهاب».
ثمة آلة بروباغندا مُنظمة، تعمل ضدّ اللبنانيين في ما يُسمّى «المثلث الحدودي» (بين الباراغواي والأرجنتين والبرازيل). صحف وبرامج تلفزيونية تتولّى تنفيذ الخطة، مُساهمةً في خلق أرضية رافضة للوجود اللبناني هناك. ارتفاع وتيرة المنشورات ضدّهم، في الأسابيع الأخيرة، والتكرار بأنّهم «رجال عصابات» ويُهدّدون أمن الباراغواي والبرازيل والأرجنتين، الهدف منه زرع «وهم» لدى «المجتمع الدولي» والرأي العام في البلدان اللاتينية، فيُصبح للولايات المتحدة الأميركية ذريعة «شرعية»، تُغطّي من خلالها انتهاكاتها ضدّ المغتربين اللبنانيين. منشورتَا «abc color»، و«Ultima Hora» في الباراغواي، وموقع «Info bae» في الأرجنتين، هي الأكثر نشاطاً في هذا المجال. منذ بداية الشهر الجاري، وهي تنشر بشكل شبه يومي، تقارير عن «أصول حزب الله الإرهابية في المثلث الحدود». يتركز أساساً على نادر فرحات، الذي أوقفته السفارة الأميركية لدى الباراغواي، في حزيران الماضي، بتهمة التهرّب الضريبي، قبل أن يتحول في إعلامهم إلى «قائد عصابات المخدرات وغسل الأموال». تارةً يزعمون أنّه تجري عرقلة تسليمه للسلطات في واشنطن، وتارةً يذكرون أنّه سُلّم للولايات المتحدة. علماً أنّ نادر لا يزال يقبع في السجن في الباراغواي، وتزوره عائلته أسبوعياً. وقبل أيام، تحدّث عضو الكونغرس الأميركي السابق روبرت بيتنجر عن شبكات غسل الأموال في أسانسيون التابعة لحزب الله ووجود مؤسسات تابعة له تُغطّي هذه الأعمال، فردّ عليه وزير خارجية الباراغواي لويس كاستيغليوني مطالباً بتقديم أدلة على الادعاءات. «الدليل» الذي عرضه بيتنجر، كان الاستشهاد بحالة نادر فرحات.
الظلم الذي يتعرّض له نادر، دفع محاميه إدغار ألونسو إلى تقديم شكوى أمام اللجنة البرلمانية الدائمة في الباراغواي، يذكر فيها أنّ فرحات يتعرّض لاضطهاد وتمييز عنصري، في ما يتعلّق بعرقه ومعتقداته، إضافةً إلى وجود الكثير من المخالفات في ملفه القضائي، كمشاركة إدارة مكافحة المخدرات الأميركية في التحقيق معه، في انتهاك للمعاهدات الدولية، لكون سلطتها القانونية لا تسمح لها القيام بذلك. ويقول المحامي إنّه ممنوع من الاطلاع على الأدلة ضدّ موكله.
لا يخرج اعتقال نادر فرحات، عن إطار الحرب السياسية التي تُخاض ضدّ اللبنانيين في «المثلث الحدودي»، من دون وجود أدلة على أنّه عضو في «خلايا إرهابية». يجري نبش ملفّات تهرّب ضريبي، التي لا ترقى عقوبتها إلى ما يُعانيه الشباب هناك، من أجل توريطهم، ثمّ ابتزازهم. في حالة نادر فرحات، مثلاً، عُرض على زوجته الوشاية على غيره من اللبنانيين، مُقابل إخراج زوجها من السجن. وبالمناسبة، تملك زوجة نادر، التايوانية الأصل، مقاطع فيديو توثّق أنّ عناصر السفارة الأميركية في أسانسيون هم الذين اقتحموا منزلها وعاثوا به خراباً بحثاً عن ملفات وأموال، وهم الذين اعتقلوا نادر، في حين أنّ رجال الأمن الباراغوايانيين انتظروا بعيداً. كذلك سرق أحد العناصر الأميركيين مالاً من المنزل. الزوجة التي هُدّدت بالسجن، أبلغها الأميركيون بأنّ عائلتها تُراقب منذ أيلول الـ2014، ولم تنفع محاولتها لإقناعهم بأنّها هي مالكة الشركة المالية منذ 18 سنة، وليس زوجها. لا تزال الزوجة، والسفارة اللبنانية لدى الباراغواي، تُقاومان محاولات ترحيل نادر فرحات إلى الولايات المتحدة الأميركية، كما حصل مع محمود بركات. والأخير هو الذي طَلَب ترحيله إلى واشنطن، لاعتقاده أنّه بهذه الطريقة يُثبت براءته. عُقدت جلسة استماع أولى له في 15 الشهر الجاري. أما أسعد بركات، الذي سُجن في البرازيل بناءً على مذكرة توقيف أصدرتها الباراغواي بتهمة «الحصول على جواز سفر بأوراق مزورة»، فينتظر انتهاء العطلة القضائية في البرازيل من أجل تحديد الخطوة التالية في ملفّه. المشكلة التي تعترض اللبنانيين هناك، ليست حصراً في الظلم الذي يتعرضون له، بل أيضاً بغياب أي دعم سياسي من لبنان. يغيب عن بال المسؤولين في الدولة اللبنانية، أنّ قضايا كهذه لا تُحلّ بإجراءات دبلوماسية روتينية وعادية. المذكرات والمراسلات، لا تنفع في حالة اللبنانيين في «المثلث الحدودي» أو الإمارات أو فرنسا... الضغوط يجب أن تصدر عن أعلى سلطة في الجمهورية.