يفترض أن تكون إعادة النازحين على رأس سلم أولويات الحكومة الجديدة. إلا أن «المجتمع الدولي» يتصرّف وكأن هؤلاء «باقون ابداً» في لبنان، ويشجع هذا البقاء عبر تضمين «خطة الاستجابة للنزوح السوري» تقديم مساعدات نقدية للنازحين، من دون المرور بالدولة، والتهويل عليهم بالتجنيد الاجباري و«عدم الثقة بتطبيق قوانين العفو» في سوريا. اللافت أن هذه الخطة أُعلنت بحضور رئيس الحكومة سعد الحريري!

قبل ساعتين من إعلان ولادة الحكومة، الخميس الماضي، عُقد في السرايا الحكومي مؤتمر إطلاق «خطة لبنان للاستجابة لأزمة النزوح السوري للعام 2019». بحضور رئيس الحكومة (المكلف حينها) سعد الحريري، ووزير الشؤون الاجتماعية السابق بيار بو عاصي، والمنسّق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الانسانية في لبنان فيليب لازاريني.
خلال السنة الجديدة، تهدف «الخطّة»، التي لم تؤمّن أموالها بعد، إلى دعم 1.5 مليون لبناني و1.5 مليون نازح سوري من الفئات الضعيفة وأكثر من 208 آلاف لاجئ فلسطيني، بالتعاون بين الحكومة اللبنانية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات المحلية والدولية غير الحكومية. والشقّ الأخطر فيها، هو «زيادة استخدام وتنسيق البرامج القائمة على الدفع النقدي»، مع ما يعنيه ذلك من تحويلات نقدية مباشرة (Cash Transfer) لعائلات من النازحين، من دون المرور بمؤسسات الدولة، ما يعني تحفيز النازحين على البقاء في لبنان وتحويلهم «أداة» في يد «المجتمع الدولي» لتوظيفهم في الصراع السياسي حول مستقبل سوريا، فضلاً عن غياب أي سلطة للدولة حول ما يحصل على أراضيها.
نوايا هذا «المجتمع الدولي»، تظهر واضحة في مقدمة «خطة لبنان للاستجابة لأزمة النزوح السوري: 2017 - 2020»، بدءاً بـ«إيجاد الطريقة الأفضل لتقديم المساعدة النقدية»، وصولاً إلى القول إنّه «حتّى تسمح الأوضاع في سوريا للعودة بأمان وكرامة، يجب على المانحين الاستمرار في دعم لبنان لتوفير سبل العيش للأشخاص الذين هم بحاجة». يتناسق ذلك مع كلمة لازاريني، خلال المؤتمر، بأن «لا الأمم المتحدة ولا المجتمع الدولي يمنعون النازحين من العودة. ولكن، المعوقات ليست في لبنان بل في سوريا، فبعض الأماكن غير آمنة، وهناك التجنيد الاجباري وعدم الثقة بتطبيق قوانين العفو وحقوق الملكية». في حين أنّ الموقف اللبناني الرسمي يتحدّث عن عودة آمنة للنازحين من دون ربطها بالحلّ السياسي، ويرفض التهويل المُمارس على هؤلاء لتخويفهم من العودة.


لا يتوقف المسؤولون الدوليون عند فرض نظرتهم السياسية لأزمة النزوح، بل يوفرون كلّ السبل المادية لتأخير عودتهم. إذ تأخذ «العينات النقدية المباشرة» مساحةً كبيرة من الخطة، باعتبارها «طريقة رئيسية لتقديم المساعدة، وتساعد الأسر على تلبية حاجاتها الأساسية، وتُحفّز الأسواق المحلية، وتُقلّل من التكاليف التشغيلية لتقديم المساعدة (مقارنة بالطرائق العينية)». إذ أن كلّ عائلة مكونة من 5 أفراد، تحصل على 175 دولاراً في الشهر. وذُكر في الخطة أنّه «في العام 2017، سيتم توزيع أكثر من 250 مليون دولار على أكثر من 190.000 أسرة على شكل مساعدات نقدية وقسائم. وقد جرى تحويل نقدي غير مشروط يستهدف الأطفال السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و15 سنة في محافظتَي عكار وجبل لبنان، خلال العام الدراسي 2016/2017». كما تلقّى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين «5 و9 سنوات، خلال الفترة التجريبية، 20 دولارا شهريا، وتلقى الأطفال الذين تزيد أعمارهم على 10 أعوام 65 دولارا في الشهر. وخلال العام الدراسي 2017/2018، سيحصل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 5 إلى 11 عاماً على 20 دولاراً شهرياً، في حين أنّ الأطفال الذين تزيد أعمارهم على 12 سنة سيحصلون على 40 دولارا في الشهر».
الحديث عن العينات النقدية المباشرة في الخطة يذكّر بالمشروع الذي يسعى «الصندوق الائتماني للاتحاد الأوروبي» إلى إقراره، مُنتهكاً السيادة اللبنانية، من خلال دفع الأموال مباشرةً للنازحين لمدة 30 شهراً قابلة للتجديد. وعلى خطى «الصندوق الأوروبي»، كان يسير البنك الدولي الذي حاول سابقاً تسويق مشروع شبيه، لكن بحجم أكبر (راجع «الأخبار»، عدد 6 تشرين الأول 2018، https://al-akhbar.com/Politics/259241). الوجه الآخر لالتفاف «المجتمع الدولي» على المؤسسات اللبنانية، هو «توفير المساعدة المباشرة للسكان الضعفاء لتلبية احتياجاتهم للبقاء، بما في ذلك الاحتياجات الناجمة عن النزوح، وضمان التكامل بين القطاعات». يتناقض ذلك مع ما أعلنه بو عاصي خلال المؤتمر عن إصراره أن «تكون الدولة اللبنانية حاضرة في أي مشروع أو تحرك يهدف لمساعدة النازح السوري، ففي الأمر جانب سيادي لا يمكننا التراجع عنه». وفي هذا الإطار، تؤكّد مصادر معنية بالملّف أنّ «المانحين الأساسيين، لا يُنسقون مع الدولة في أي شيء، بل عملهم يتمّ عبر الـUNDP، أو دعم المنظمات الدولية التابعة لهم مباشرةً، في حين أنّ الـUSaid تتعامل مباشرةً مع البلديات». هناك جهة واحدة قرّرت التنسيق مباشرةً مع وزارة الشؤون الاجتماعية والجهات الحكومية الأخرى «وهي مكتب التعاون الإيطالي، بسبب وجود خلافات بينه وبين الـUNDP». وتعزو ذلك الى طبيعة عمل «المجتمع الدولي» الذي تكمن مصلحته السياسية في إبعاد الدولة عن كلّ ما له علاقة مُباشرةً بموضوع النازحين. ولكن أيضاً، «نحن تقنياً لسنا جاهزين لذلك».
اللافت خلال مؤتمر الخميس، كان غياب المسؤولين الإداريين في وزارة الشؤون الاجتماعية المفترض أن يكونوا معنيين مُباشرةً بمتابعة ملّف النازحين، والاكتفاء بوجود الأفراد العاملين في مكتب الوزير. يعزو أحد المسؤولين الإداريين في الوزارة الغياب الى «أنّنا لم نُشارك في وضع الخطّة، ولم نطلع على تعديلات 2019 عليها لعدم وجود ممثلين لنا في اللجان التقنية للخطة». إضافةً إلى ذلك، يتحدّث المسؤول عن «عدم موافقتنا عمّا يحصل، وإن كان بطريقة غير مقصودة وغير مباشرة أحياناً، حيال توفير كلّ التمكينات للنازح السوري من أجل البقاء، عوض تشجيعه على العودة إلى بلده». النظرة متشائمة داخل إدارات «الشؤون الاجتماعية»، وتكشف عن ازدواجية في مقاربة هذا الملّف، إذ يعتبر المسؤول أنّه «لا توجد آلية واضحة للعودة ولا سياسة للدولة لمعالجة هذا الموضوع، بل نترك المجتمع الدولي والمانحين يرسمون سياستنا لمقاربة الأزمة».



بو عاصي: لم نتدخل!
خلال كلمته في مؤتمر إطلاق «خطة لبنان للاستجابة لأزمة النزوح السوري للعام 2019»، تحدّث الوزير السابق بيار بو عاصي عن «برنامج دعم المجتمع المضيف في لبنان»، فأوضح أنّ البرنامج بدأ بتنفيذ المشاريع الصغرى في البلديات قبل أن يتحول إلى «مشروع يستهدف التنمية المستدامة من خلال إنشاء وتدعيم بنى تحتية صغيرة ومتوسطة الحجم. لقد نجحنا في تعزيز ثقة المانحين حين لم نتدخل في استدراجات العروض ولا المناقصات ولا دفع الأموال، فكان دورنا الأساسي تحديد الاحتياجات ومتابعة دفاتر الشروط والتنفيذ». مصادر أخرى متابعة للملّف تؤكد أنّ «الوزارة شريك أساسي في البرنامج، الذي يتولّى تنسيقه المدير العام للوزارة القاضي عبدلله أحمد، ولكن ضعف المشروع أنّ الدولة ليست شريكاً مباشراً به». فالنأي بالنفس عن استدراج العروض والمناقصات، ليس أمراً يستدعي الفخر، «لأنّ أصل المشروع بناء قدرات الدولة والوزارات والرقابة، ووجود فريق عمل يكتب المشاريع ويُتابع تطبيقها. نحن لم نصل إلى هذه المرحلة».

المصدر: ليا القزي - الاخبار