باب الفرضيات مفتوح على مصراعيه: العقل والخيال. كل الفرضيات قابلة للقول، وتقول الجدات إن "الحكي ببلاش" ولا سيّما الفارغ منه.
حسنًا، أطلق أحد برامج الفضائح، على إحدى محطات التلفزة التي تسمّي شهداءنا "قتلى" (وهو مثال يكفي لمعرفة توجه القناة) فرضية أن تقوم مصانع الكيان الصهيوني بانتاج دواء يعالج المرض الخبيث بحيث يقضي على الخلايا السرطانية بزمن قياسي. وقد ذهب معدّو البرنامج إلى استفتاء مشاهديهم حول إمكانية قبولهم العلاج الشافي إن كان من صنع "اسرائيلي".
 يبدو السؤال-الاستفتاء مستغربًا من حيث "خبث" الطرح الذي يضاهي خبث الصهاينة والسرطان مجتمعين، ومن حيث التوقيت بحيث تزامن مع توكيل "حزب الله" اي "المقاومة" بحقيبة وزارة الصحة، ومن حيث دسّ سمّ الخيال في وجع المصابين بالمرض وعائلاتهم.
لقد أغفل معدّو "السؤال" المشبوه حقائق عديدة، منها العلمية ومنها التاريخية. ولن نخوض في الحقائق المتعلقة بالكرامة الوطنية ففاقد الشيء لا يلتفت إليه.
أولا، تجري مختلف مختبرات العالم منذ عشرات السنين أبحاثا وتجارب متعلقة بعلاج السرطان، وثمة علاجات تحت التجربة، وأخرى أظهرت قابلية للنجاح، وأخرى باءت بالفشل لسبب أو لآخر. وقد تتعاون هذه المختبرات فيما بينها في تجارب معينة، بهدف تبادل الخبرات من جهة، وتقاسم الارباح المفترضة من سوق دواء قد يشكل "ثورة" في عالم الطب. إذاً، لا يمكن إنكار حقيقة أن تقوم مراكز أبحاث دوائية في الكيان الصهيوني بالبحث عن علاج لمرض السرطان، الذي انتشر بشكل لافت في كل المناطق التي استهدفتها "الصواريخ الذكية" في حرب تموز. وبما أن العلم ليس "صدفة" فليس غريبًا أن يتوصل صانع السم إلى ترياق له. أليست فرضية "عقلانية" أن نقول إن الصهاينة هم صانعو السرطان الذي ازداد عدد المصابين به في كل المناطق التي طاولها عدوان تموز؟ وبالتالي، أليس منطقيا أن يكونوا قد توصلوا لعلاج أو لنقل مضاد له؟ 
سيأتي من يقول ردًا على هذه الفرضية إننا مصابون بعقدة المؤامرة. لا بأس، أثبت التاريخ الحديث على الأقل أن كل مصائبنا نتجت عن مؤامرات بمسميات عديدة.
الهدف من هذا السرد الذي قد يبدو مملًّا هو القول انه من الوارد أن تكون الفرضية التي طرحها البرنامج هي فرضية حقيقية. ولنفترض بدورنا أنها حقيقة. بل لنقل ان الشركات التابعة للعدو قد بدأت فعلا بتسويق المنتج. ومن هنا انطلق السؤال الذي استفتى الناس في جرحهم الأعمق: "هل تقبل الدواء الشافي ان كان من صنع "اسرائيلي؟"".. نتيجة الاستفتاء لا تقدّم ولا تؤخر. معدّوه اصلا غير معنيين بنتيجة الاستفتاء. لذلك، يمكن الإجابة عن السؤال الخبيث، بأسئلة بريئة، جدا:
هل يمكن لجهة أن تضمن أن الدواء الذي قد يسوّقه قاتلنا في أسواقنا هو حقًّا دواء وليس سمًّا لا سيما أن الحديث عن السلاح الجرثومي غير محصور بالقذائف؟ طبعًا لا. وبالتالي يستحيل تسويقه في لبنان ولو رضيت به "وزارة الصحة" بفعل الضرورة والحاجة إلى الدواء. فالمسألة هنا تتعدى الثقة بوزير أو بوزارة. هي مسألة شك بكل ما يأتي من صوب الصهاينة.
هل يمكن لجهة أن تضمن أن لا يكون طرح هذا "الدواء" نوعاً من "التجارب المخبرية" بحيث يتحول من يستخدمه إلى "فأر تجربة" مجانيّ؟ طبعا لا، لا سيما أن علاجا كهذا إن وجد، يحتاج إلى سنوات من الاختبار لتبيان اعراضه الجانبية، هذا إذا افترضنا انه نجح في تحقيق الهدف منه وهو القضاء على الخلايا السرطانية.
هل ثمة دواء او علاج في العالم تنحصر تركيبته في كيان واحد او مختبر واحد فتنفرد بتصنيعه وتسويقه بشكل حصري؟ كلا أيضا. جميعنا يعلم أن جميع التركيبات الدوائية تصدر عن مختلف المختبرات في العالم ولذلك هناك "اسم علمي" و"اسم تسويقي" لكل دواء. (على سبيل المثال، تركيبة "باراسيتامول" المسكنة للألم والخافضة للحرارة تتواجد تحت عشرات الاسماء التسويقية والتي تختلف باختلاف الدولة والمختبر الذي يقوم بتصنيعها: بانادول، آدول، تايلينول... جميعها "باراسيتامول") وبالتالي الدواء الذي افترضه البرنامج، يمكن أن تنتجه مختلف مختبرات العالم وبالتالي نخرج من "جريمة" استعمال المنتج "الاسرائيلي"
قبل كل ذلك، ما هي احتمالات أن يفهم معدّو الاستفتاء، الذين بكل وقاحة اعتدوا بالدرجة الاولى على وجع المصابين بالسرطان وذويهم وأحبتهم، أن مسألة العداء للصهيوني هي فطرة قبل أن تكون موقفا سياسيا، وهي حكاية اخلاق قبل أن تكون حكاية حرب؟ ما هي احتمالات أن يفهموا أن مقولة "لو كان الدوا الشافي من عندهن ما بدنا ياه"؟ وما هي احتمالات أن يدركوا عمق الشرف في وجع مريض قال: "اذا دوا السرطان من عند الاسرائيلي بيكون موتي مقاومة؟"

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع