لمصطلح "الجحود" استخدامات كثيرة في اللغة. هو يعبّر عادة عن نكران الجميل وقلّة الوفاء وتجاهل المحاسن، وغضّ البصر والبصيرة عن مبادلة الخير بمثله.. لذا، يصح استخدامه في اللغة السياسية كتوصيف لعلاقة بعض الأطراف اللبنانية مع الجمهورية الإسلامية في إيران، الدولة العظمى التي تمدّ الحبّ يدًا من عون ودعم ومساندة، إن لم نقل أكثر.
للسياسة حساباتها دائمًا. وليس متوقّعًا أن ينظر الجميع إلى العلاقة مع إيران من الزاوية نفسها. لذا، يصبح الخوض في تفاصيل "قبول" الهبات والمساعدات الإيرانية، التي أعلن الأمين المقاوم السيد حسن نصرالله مؤخرًا عن استعداده لتأمينها من الجمهورية التي بلغت أربعين ثورتها منتصرة وناصرة لكل مستضعفي الأرض، أمرًا شائكًا قد يكون من الأفضل تركه لأربابه.. هذا في ما يخصّ المساعدات المقترحة والتي شكّلت أحد أسباب زيارة وزير الخارجية الإيراني، بطل مفاوضات الملف النووي، الدكتور محمد جواد ظريف. شهد الأمر أخذاً وردّاً. وربما، في لحظة ما، وددنا أن نعتذر للضيف الآتي إلينا محمّلًا بالحب عما بدر من بعض رموز بلدنا.. إلا أنّنا نعلم، أن الدكتور ظريف، الموفد من دولته العظيمة، يعلم جيّدا دهاليز الحسابات اللبنانية، ويعرفنا، ويعرف حاجاتنا التي تُمنع عنّا كرمى لسفارة أولمت هنا ولموفد غادر قبل أيام.. 
بعيدًا عن دخول الجدل العقيم في حقّنا بالمساعدات التي تقترح ايران تقديمها لنا، وفي زهد "الدولة اللبنانية" وتمنّعها إرضاء لحسابات لا تغني ولا تفيد، هل هذه المساعدات هي أولى هبات إيران لدولة لبنان وناسه؟ توخيًّا للأمانة، وتحاشيًا للجحود على الأقل، ينبغي أن نذكّر الجميع ونتذكّر أن إيران ساعدت لبنان، كل لبنان، حين دعمت مقاومته ضد العدوان الصهيوني وكانت الشريك الحقيقي في كل نصر تحقّق.. ومن المعيب أن يتنكّر أحد لمساعدات بحجم الدعم العسكري واللوجستي والسياسي التي قدمتها ايران لا سيّما إن تنكّر من يجاهر بدعمه للمقاومة، أما الأطراف التي في السر والعلن تآمرت على المقاومة، فمن البديهي أن تلوم إيران على هذه المساعدات وتعتبرها "تدخّلا في الشؤون اللبنانية"، وهؤلاء لا عتب عليهم، ولا وقوف عند "آرائهم" التي لولا هوان الزمان لكانت أدلة تدينهم بالخيانة العظمى!
كذلك، ساعدت إيران كل اللبنانيين الذين تعرضوا للعدوان الهمجي في حرب تموز.. بيوت جبل عامل تشهد كيف كان الساعد الإيراني يبني ما دمّرته طائرات الصهاينة على مدى ثلاثة وثلاثين يومًا من الحقد الجبان. وتشهد الطرقات كيف عادت سالكة آمنة بفضل الحب الإيراني اللماع، وكذلك شوارع الضاحية التي اختلط اسفلتها بركام الأبنية فعادت "أجمل مما كانت"!
لا يتسّع مقال لذكر كل الهبات والمساعدات الإيرانية للبنان، لكن حتمًا لا بد من أن نذكّر الناسين والمتناسين أن صور شهداء المقاومة في لبنان ترتفع في إيران في كل مناسبة، واسماءهم تتلى كلّما حان دعاء حب للشهداء وللثورة.. ولا بدّ من أن نذكر، على سبيل الوفاء، الذي هو أقل الواجب وأقصى ما نستطيعه، أن ليس لدى إيران "عبيد ومرتزقة" في لبنان كما لغيرها من الدول، بل حلفاؤها هنا هم أسياد عندها، تكنّ لهم، ولمحبيهم، كل احترام وثقة.. ولا بدّ أن نذكر أن قوة المقاومة التي قلبت موازين الحرب، ورسمت قواعد الاشتباك التي يعجز اليوم الصهاينة ومن خلفهم الأميركيون وسائر الغرب عن تغييرها، وسيرافقهم هذا العجز حتى زوالهم، لم تكن لتنجح بكل هذا لولا أن في محور المقاومة دولة عظمى تنازل من يسمّون أنفسهم "الدول الكبرى" وتخرج من النزال منتصرة.. 
بقي أن نرفع الحبّ والامتنان دعاءً على كفوف شقّقتها الحاجات المعيشية، ونقول لجمهورية الثورة الخمينية العظيمة، شكرًا.. وبقي أن نمد قلوبنا وردًا على طريق عودة الدكتور ظريف من زيارته إلى بلادنا، ونقول له، شكرًا على تشريفنا بحضورك، وشكرًا لدولتكم التي لم نغب يومًا عن قلبها الثوري.

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع