ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين واليه مالك الأشتر عندما ولاه مصر حين قال له: "ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله.. إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، ومن شركهم في الآثام، فلا يكونن لك بطانة، فإنهم أعوان الأثمة، وإخوان الظلمة...".
لقد أراد الإمام علي من خلال ذلك أن يبين أن لا مكان في مواقع الحكم للبخلاء، ولا الجبناء، ولا الحريصين، ولا أصحاب السوابق، ممن هم أعوان الظالمين والفاسدين، بل للأصفياء الأطهار الذين تمتلئ قلوبهم حبا للناس. لقد راهن الإمام علي على هؤلاء لبناء مجتمع العدل بالإحسان، وبهؤلاء نواجه التحديات.
اضاف: "البداية من لبنان، حيث يتطلع اللبنانيون مع بدء اجتماعات الحكومة إلى الالتزام بما وعدت به في بيانها الوزاري من مواجهة الفساد والهدر، والتخفيف من المشكلات الاقتصادية والمالية، والمعالجات الجدية للقضايا الملحة معيشيا واجتماعيا وصحيا وبيئيا، ولا سيما ملف الكهرباء".
وتابع: "في الواقع، فإن التشاؤم يغلب على الكثيرين الذين لا يرون أن هذه الحكومة قادرة على إحداث نقلة نوعية في حياة اللبنانيين ومعالجة مشكلاتهم، باعتبار أن مكونات هذه الحكومة هي المكونات نفسها التي تشكلت منها الحكومات السابقة، والتي أوصلت البلد إلى هذه الدرجة من الانهيار. وما يعزز هذا المنطق هو ظروف تشكيلها، وتركيبتها المبنية على التناقضات، وانعدام الثقة بين أعضائها، بحيث يجعل منها حكومة مناكفات".
وقال: "إننا، وعلى الرغم من هذه الصورة التشاؤمية التي يبدو في جانب منها أنها واقعية، نرى أجواء توحي بالتفاؤل حين نجد رغبة جدية لدى القوى السياسية في معالجة الوضع الحالي، حيث لم يشهد لبنان طوال السنوات الماضية إجماعا من هذه القوى، رغم تناقضاتها السياسية الحادة، كما هو حاصل اليوم، في مقاربة ملفات الفساد ووقف الهدر والنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي، ونرى في ما جرى من معالجة سريعة لمأساة مستشفى الفنار، وفي فتح الملفات الحيوية، وآخرها ملف التوظيف غير القانوني، مؤشرات على هذا الجو التفاؤلي. لكننا نريد لكل ذلك أن لا يكون مبادرات يتيمة ومحدودة، بقدر ما نريده أن يعبر عن نفس جديد في التعامل مع الملفات التي يعانيها المواطنون في الصحة والكهرباء والنفايات والتلوث وكل الملفات الحيوية".
وتابع: "نحن في هذا المجال، ندعو إلى أن لا ينتظر الوزراء إخباريات من وسائل إعلام عن فساد يحصل في وزاراتهم، بل أن يوجدوا الآليات التي تمنع حصوله أو تكشفه قبل أن ينمو ويكبر ويصبح من الصعب معالجته. إننا نريد من كل وزير في الحكومة أن يكون وزير مكافحة الفساد في وزارته، ليعالج ما فيها من فساد وهدر، ويطهرها من الفاسدين والمتلاعبين بها.. أن لا ينتظر قرارات تأتيه من هنا وهناك، وأن يتحرك وفق ما تمليه المصلحة العامة في طريقة إدارته للوزارة".
وقال: "في هذا السياق، فإننا ندعو الحكومة التي طرحت عناوين في بيانها الوزاري إلى تحمل مسؤوليتها في هذا البيان، فلا يكون، كما اعتدنا في البيانات الوزارية، حبرا على ورق، أو أمنيات وأحلاما تقدم للمواطنين. إننا نريده أن يكون مشروع عملها، وأن تحاسب على أساسه، سواء من قبل المجلس النيابي أو من قبل الشعب اللبناني. ومن هنا، فإننا ندعو الحكومة وهي تبدأ عملها إلى أن يتحول هذا البيان إلى خطط واقعية، وإلى مشاريع وقوانين ومراسيم، وفق آليات محددة ودقيقة، تأتي بعد دراسة عميقة للملفات التي نعلم أن هناك رؤى متعارضة لكيفية معالجتها أو التعامل معها، على أن ينطلق البحث والتشاور حولها من موقع الحرص على المصلحة الوطنية الجامعة، لا من مصالح طائفية أو مذهبية أو فئوية أو محاصصات".
ملف النازحين
وتابع: "وفي ضوء ذلك، نعيد ونؤكد أنه لا يجوز لملف النازحين السوريين أن يكون، كما حصل بالأمس داخل مجلس الوزراء، معرض خلاف كبير بين القوى السياسية التي عليها جميعا أن تتعاطى بحكمة، وبروح وطنية مسؤولة، وبموضوعية، في معالجته، بعيدا عن كل الحسابات الداخلية والخارجية والمصالح الخاصة، بعد أن بات واضحا أن الجميع يسلم بالأثقال الضخمة والأعباء الكبيرة التي يلقيها هذا الملف على البلد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا، فالكل يعرف أن مماطلة الدول الكبرى في معالجة هذا الملف في الغالب تعود إلى أسباب سياسية، لا إلى أسباب إنسانية. ونحن لا نرى حجة لعدم توافق الجميع على عودة النازحين بشكل آمن إلى المناطق الآمنة بدل انتظار الحل السياسي الذي يبدو أنه لا يزال بعيدا".
الزواج المدني
وقال: "وفي مجال آخر، نتوقف عند قضية الزواج المدني التي أثيرت في الفترة الأخيرة، وأدت إلى انقسامات أخذت أبعادا دينية وسياسية، لنعلن بوضوح وقوفنا إلى جانب كل الذين دعوا إلى طي هذا الملف، ولا سيما في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها البلد، ولنقول إن قضية تحمل مثل هذه الحساسية الدينية والاجتماعية والطائفية لا يمكن أن تعالج بالسجالات الحادة، وبعقلية تسجيل النقاط، بل تحتاج إلى دراسة معمقة وموضوعية تأخذ بعين الاعتبار موقع الدين وتأثيره في هذا البلد وانتظام الأسرة، وأن لا يكون موقعا للجدل حول مشروعية تكوينها".
فلسطين
وتابع: "ننتقل إلى ما يجري في فلسطين المحتلة من ضغط صهيوني مستمر على الشعب الفلسطيني الذي يمر بمرحلة هي من أصعب المراحل وأخطرها، بالنظر إلى استفراد العدو بهذه القضية بعد انفتاح العرب عليه، وإدارة ظهرهم للقضية الفلسطينية، وعدم تأمين مقومات صمود شعبها، وهو ما يشجع العدو على التمادي في سياساته العدوانية، والتي كان آخرها قرار المضي في تهويد مدينة القدس، وإقفال بعض أبواب المسجد الأقصى، واعتداءاته على المصلين، ومصادرته لأموال عوائل الشهداء والأسرى".
وختم: "إننا في الوقت الذي ندين إجراءات العدو وممارساته الإرهابية وضغوطه وحصاره المستمر للشعب الفلسطيني، نحيي صمود هذا الشعب وتضحياته، ونجدد دعوتنا للشعوب العربية والإسلامية لتقديم الدعم له بكل الوسائل، كما ندعو الفصائل الفلسطينية إلى الوحدة والتضامن والتماسك، بدلا من السياسات التي تزيد من الانقسام لحساب العدو وعلى حساب مصلحة الشعب الفلسطيني وتطلعاته التحررية".