يتسرّب إلى اللبنانيين من كل الأطياف نوع من الشعور بالأمان في ما يتعلق بالشؤون الصحية. وهو شعور لم يعهدوه من قبل حتى في ذروة الوعود الوزارية بالبطاقة الصحية وحق المواطنين بالطبابة، أقلّه في المستشفيات والمراكز الطبية الحكومية. نتج هذا الشعور عن عوامل عديدة أبرزها ثقة الناس، حتى الخصوم السياسيين وجمهورهم، بحزب الله، الذي تولى أحد المقربين منه وزارة الصحة، والتفاعل الايجابي مع حركة الوزير جميل جبق، الذي منذ توليه مهمة "وزير الصحة" قام بتحريك الملفات المخفية في وزارته، المعنية بحياة وموت الناس. للمرة الأولى ربما، تتجاوز هذه الثقة بوزير حدود الاختلافات والخلافات بين الناس، فيُجمعون على الاطمئنان ولو النسبي إلى أنهم غير معرضين للذلّ وربما الموت على أبواب المستشفيات.
قد تكون حكاية مستشفى الفنار مثالا على ضرورة أن يكون وزير الصحة انسانًا قبل أن يكون خطيبًا يجيد صياغة الوعود والعودة عنها بحجة عدم وجود موازنة كافية.. جميعنا وقفنا أمام مشهد المرضى النفسيين والعصبيين مذهولين من بؤس حالنا كلّنا وبؤس مصيرنا ان احتجنا رعاية من هذا النوع.. سرعة تحرك الوزير جعلت الأمر يبدو قابلا للحل.. لم ينتظر موازنة ولم يطلب هبات مالية لرفع الظلم عن المرضى، ولم يدخل طبعا في سجالات تؤخر القيام بما يجب أولا القيام به، أي أولوية تقديم الرعاية للمرضى. 
واليوم أيضا، ضجت وسائل التواصل بزيارة الوزير جبق إلى مستشفى حلبا. تعامل البعض مع الزيارة وكأنها حدث غريب. كي نقول الأشياء كما هي بالصيغة اللبنانية: زار وزير من حزب الله مستشفى في منطقة محسوبة لى المستقبل. استغرب الوزير بدوره سوء وضع المستشفى وغياب الحد الأدنى من المقومات الاستشفائية فيها، بحضور نواب المستقبل، أي نواب المنطقة. ولاقى ترحيبًا جميلا لا يجيده الا الفقراء الذين بحاسّة التعب يعرفون من يهتم لحقوقهم ومن يستغل تعبهم، ليزيد فقرهم وحاجتهم إلى معونات منه قد لا تزيد عن صندوق يحوي كيس حبوب أو قليلاً من المازوت. 
للأمانة، لم يقم الوزير جبق بأكثر من واجبه. لكنه وضع الجميع أمام مساءلة شديدة البساطة والتعقيد في آن واحد. قد يبدو السؤال طفوليا بعض الشيء: ما الذي يمنع أن تكون كل الوزارت حريصة على القيام بواجبها؟ قد يقول البعض ان الاعتمادات المالية شرط أساسي. وذلك صحيح. وقد يجد البعض الأخر أن الوزير يحتاج إلى قرار سياسي ليقوم بما عليه القيام به. وهذا صحيح أيضا. لكن هذا الشرطين الصحيحين بحال توفرهما لا يؤديان بالضرورة إلى وزارة تعمل بشكل صحيح، ولا يجعلاننا نشهد وزيرا يقوم بواجبه.
من جهة أخرى، يمكن أن نرى المشهد بلا اعتمادات مالية، وبلا اجتماع وزاري يجمع فيه الحاضرون على قبولهم القيام بخطوة ما. والدليل على ذلك، هو أن الكثير من الأمور لا يحتاج إلى موازنات وترتيبات ومشاورات. يحتاج إلى ضمير لم تلوثه الحسابات، وإلى عقل أجاد القيام بالواجب دون انتظار أية صيغة تؤخره.. بكلام آخر، يحتاج الأمر فقط إلى وزير من حزب الله.

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع