عادةً، يغيب المفلسون بعد إعلان إفلاسهم الصريح عن كل الساحات التي اعتادوا التواجد فيها. يتحاشون بذلك ربما أسئلة الناس، أو العيون التي ترمقهم بإشفاق يذكّر بأن ارحموا عزيز قوم ذل!
وكما لكلّ قاعدة شواذ، شذ الفارس السعيد عن قاعدة المفلسين. وقد سهّلت أمور عديدة عليه أن يشذ، فهو أولا لم يكن عزيزا في أي يوم من الأيام، وثانيا على ما يبدو لم يع الفارس حتى اللحظة أنه مفلس. هو يصرّ على جعل ترنّحه وهذيانه المضحك أحيانا مشهدا لا يغيب عن عيوننا. صحيح أنه ما كان يومًا عزيز قوم، سواء قومه أو القوم الآخرين، إلا أن ذلّ إفلاسه وفريقه السياسي بات موعدا يوميا على وسائل التواصل، التي يواصل اعتمادها وسيلة يعبر من خلالها عن نفسه، وقد تخلى عن مؤازرته الأقربون.
لا شكّ أن تغريدات فارس سعيد تشي بمعاناته، وبعجزه عن قراءة الواقع، وحتى بعجزه عن قراءة حجمه الحقيقي وحجم فريقه الذي لم يعد فريقًا.
يقول الناس إن فارس ذاك أُصيب بمتلازمة اسمها "بسبب حزب الله". لا يتوانى عن تحميل الحزب المقاوم مسؤولية كل ما يحدث وما قد يحدث على وجه الأرض ما دام الحدث لا يتناسب مع تطلعاته ورؤيته لما يجب على الكون أن يكون عليه.
بطبيعة الأحوال، هذه الأعراض ليست عصيّة على التحليل، ولا تتطلب جهدًا كبيرا ليتمكن طالب في السنة الأولى في كلية الطب من تشخيص الحالة. ربما لهذا السبب، ترك رفاق سعيد رفيقهم يغرّد عن معاناته عسى يشكّل التغريد متنفسا له للخروج من الحالة والاقتناع ان المشروع الذي افنى فيه اعصابه قد سقط ولن يعود. وتركوه ايضا لأن مجاراته فيما يغرد فيه يعود بالسمعة السيئة عليهم، لا سيما بخصوص صحتهم العقلية والنفسية. وقد بلغ الأمر ببعض الناشطين من جمهور الرابع عشر من اذار حد مطالبة اهل سعيد بسحب هاتفه الذكي منه تحاشيا لمزيد من "البهدلة".
بعيدا عن السخرية، نجح سعيد بأن يتحول إلى محطة يومية يتناولها ويتابعها سائر السكان والمارة في العالم الافتراضي. يبدو لبعضهم أن هذه الشخصية هي شخصية من نسج خيال مخرج موهوب في صناعة الكوميديا، التي رغم تفاهتها تستطيع أن تنتزع ضحكة من قلوب أرهقتها الاخبار اليومية.
ينقسم متابعو سعيد إلى قسمين: قسم يرى في تغريداته حجم الألم الذي يصيبه أثناء غرقه في وهم الوجود المؤثر، وهم أحيانا يشاركونه الوجهة التي يتبعها إلا أنهم يرون في بوحه نوعا من فضح خيبتهم جميعا. فيحتارون بين الاشفاق عليه، وبين الدعاء له بأن يكف عن ذلك حفظا لماء وجوههم، ورغم ذلك، يتهامسون في مجالسهم عن سوء حاله، ويرون فيه مستقبلا يتحاشون قدر الامكان بلوغه، فهم بوعي تام، نسبيا، قد يتقبلون الهزيمة ويعترفون به لكنهم بلا شك لا يريدون أن يحملوا فوق أثقال الهزيمة ثقل أن يصيروا أضحوكة تتداول تغريداتها الألسن.
أما القسم الآخر، فهم من البيئة التي يعاديها سعيد ويشن معاركه الوهمية عليها كلّما شعر بالحاجة إلى قول شيء كي لا يموت متحسّرًا. هذا القسم ينقسم بدوره إلى جهتين، الجهة الأولى تتجاهله تماما، كونها تعي أن لا قيمة ولا وزن لكل ما يصدر عنه، وتكتفي بالتبسم أحيانا لما قد يصل إليه على صهوة خياله المصاب. وجهة ترى في تغريداته ساحة تلهو فيها قليلا بعد يوم من تعب. ولا شك أن هناك فئة تشتمه، وتحاول مجادلته وهي فئة خارج حسابات كل متابعة، فالشتم وسيلة الضعفاء، الذين قد يكون بينهم من طلب إليه سعيد أن يقوم بذلك عسى يلفت إليه أنظار الكبار تحت شعار "أنا أتعرض للتنمر" الذي شاهدناه مؤخرا بين دعاة الحرية المشبوهة.
حسنا، من سمات الحالة التي يعاني منها الفارس المذكور أنه يرى في كل تفاعل معه، حتى الشتم، دليلا على النجاح والشهرة. يفرح بذلك كما يفرح مريض بجرعة دواء تخفف من ألامه. يحاول بكل جهد وتعب أن يبقى على الساحة ولو لاستعراض افلاسه على هيأة تغريدات، لا سيما بعد ان تفوق عليه اعلاميون وساسة في مهمة مهاجمة حزب الله مقابل دعوات إلى سفارة هنا أو قنصلية هناك. في النهاية، يُحتسب للرجل أنه يبذل جهدًا، وعلى سبيل الإيجابية في التعامل، وجب أن نشكره على كون تغريداته محطة من مرح، نضحك بعدها، وبعض الضحك إشفاق.

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع