بضحكة هي ضحكة الشهداء قبل ذهابهم إلى الخلود، بثقافة شربت تراب فلسطين حكايةً حكاية، بقلب ذهب في العشق إلى أعلى الطريق، بوعي أجاد طرح الأسئلة، وبندقية، استشهد باسل مشتبكًا. وذلك وإن لم يكن حالة فريدة في الحكاية الفلسطينية، فهو بحد ذاته حكاية الفلسطيني الذي يشبه نفسه، الذي يجيد فعل ما يقول، وقول ما فعل وسيفعل.
وجد باسل الأعرج أجوبته ومضى مكرسًا الحقيقة التي لا لبس فيها: "... بدك تكون مثقف مشتبك إذا ما بدك تشتبك لا فيك ولا في ثقافتك".
بكلمته هذه أجاب باسل عن كل الإشكاليات "المعاصرة" المتعلقة بماهيّة الثقافة في بلادنا، بجدواها وأهدافها. وضع إصبع الحقيقة على الجرح الذي في وجه يومياتنا، الذي يمكن اختصاره بمصطلح "التطبيع الثقافي"، فكانت كلماته رصاصتنا نحن في صدر كل ادعاء متصهين يسمّي نفسه بمسميات ثقافية تمهّد للتطبيع حتى في أبسط الأمور والتي قد تبدو بلا دلالات كالمصطلحات التي نستعملها في حياتنا اليومية.
بشكل أو بآخر، صار لباسل في بيوتنا، في أرواحنا وفي حكاياتنا، حيّز لا يمكن اختصاره بمقال في ذكرى الاستشهاد.. وصيّته التي لا تشبه الوصايا لشدّة وضوحها استقرّت في وعينا وتحوّلت إلى نص نطالعه لنكتشف في كل مرة شيئا من ملامح روحه، أو نلمس خفقان قلبه الشديد الانتظام في كل لحظاته، ونرتشف ولو قطرات من وعيه المتشبث بالفطرة بشكل مذهل، بشكل لا يُقارن.
أجمل ما في باسل، هو ذاك الاشتباك الذي بدأه بيقين أن المقاومة جدوى مستمرة، والذي عاشه في كل كلمة نطق بها وفي كل موقف اتخذه وفي كل جولة تثقيفية قادها على وقع حكايات المقاومة. ذلك الشاب المرهف لغة والعميق وعيًا، لقّم عقله وفتح النار قبل اشتباكه الأخير بزمن بعيد، بزمن كان يتيح لو أراد أن يتخذ دور "المبشّر" الثقافي الداعي إلى الاشتباك من مكتب مكيّف حديث الطراز. إلا أن احتمالا كهذا لم يكن واردًا ولا يمكن أن يرد في روح تشبه روحه. لقد وُلد ليشتبك، وكبر ليشتبك، وكتب وقرأ وحكى وسأل ليشتبك ويصوغ من الاشتباك أجوبة قد نتوصل إليها فيما لو أتحنا لأنفسنا أن نطرح الأسئلة الصحيحة، الأسئلة التي لا تضلل غاياتنا ما دمنا مؤمنين أن غايتنا حرية فلسطين.
استشهد باسل، مسلّحًا بروحه وببندقية محلية الصنع. مضى في وعيه إلى أعلى درجات العشق، وكتب بالرصاص ترجمة شديدة الوضوح والتطابق مع كلماته ولغته. ذهب إلى حيث سبقه شهداء والتحق به شهداء، ومن هناك، ما زال باسلًا وما زال يقاتل.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع