تهدئة صاروخيّة بين موسكو واشنطن.. وانفراج أوروبي إيراني… ولافروف لعودة سورية العربية 
بومبيو وساترفيلد: لا للبحث في شبكة دفاع جويّ روسية خلال زيارة عون 
بيفاني يُسقط السنيورة بالضربة القاضية… ومناخ نيابي متشدّد مع الحكومة

كتب المحرّر السياسيّ – البناء

يبدو أن أول نتائج اجتماع رئيسَيْ أركان الجيوش الأميركية جوزيف دانفورد والجيش الروسي سيرغي غراسيموف، كانت الامتناع المتبادل عن التصعيد بعد وقف العمل بمعاهدة وقف انتشار الصواريخ المتوسطة المدى، وعنوان التهدئة كما قالت مصادر مطلعة سيكون بالامتناع عن نشر متبادل لمجموعات صاروخيّة جديدة في مناطق الجوار الأوروبي لكل منهما. ورصدت المصادر في هذا السياق تصريحاً لمدير قسم عدم الانتشار والرقابة على الأسلحة في وزارة الخارجية الروسية، فلاديمير يرماكوف قال فيه إن «موسكو تعوّل على أن يفرض حلف الناتو «موراتوريوم» على نشر الصواريخ في أوروبا بعد الانهيار المحتمل لمعاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى»، مشيراً إلى «اننا مهتمون بتفادي أزمات صواريخ جديدة في أوروبا، ولذلك أعلنا في جوهر الأمر موراتوريوم أحادي الجانب على نشر الصواريخ الواعدة المتوسطة والقصيرة المدى، التي قد تظهر لدينا بعد أن تدمّر واشنطن معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى نهائياً»، فيما أكد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف حرص روسيا على تفادي أزمة صواريخ.

بالتوازي سُجّل تقدّم هام على محور العلاقات الإيرانية الأوروبية تمثل بسير إيران خطوات نحو إقرار الانضمام إلى معاهدة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب التي تطالب أوروبا إيران بتوقيعها، من ضمن الآلية المالية المقترحة للتبادل التجاري الأوروبي الإيراني، وقالت مصادر على صلة بملف التفاوض الإيراني الأوروبي أن طهران تلقت تشجيعاً روسياً صينياً للسير بالتوقيع على الاتفاقية، لما سيوفره ذلك من تسهيلات للمبادلات المالية مع إيران، وقالت المصادر أن تعيين بهرام قاسمي سفيراً لإيران في فرنسا يأتي في سياق التقارب الأوروبي الإيراني للدور الذي سيتولاه قاسمي في تنسيق العلاقات المالية وإدارة ملفاتها.

ملف إقليمي ثالث كان على طاولة التقدم الدبلوماسي، هو ملف العلاقات السورية العربية، الذي حمله وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في جولته الخليجية، وقالت مصادر إعلامية كويتية أن كلام وزير الخارجية الكويتي عن التوق لعودة العلاقات مع سورية ترجمة لتقدم حققه لافروف في جولته، على مستوى المناخ الخليجي عموماً وليس الكويتي فقط.

لبنانياً، تشكل زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو حدث الأيام المقبلة، وهي تأتي في ظل تراجع واشنطن عن دورها في ترسيم الحدود المائية والبرية للبنان، بوجه التعديات الإسرائيلية، كما كشفت زيارة ديفيد ساترفيلد معاون بومبيو الذي سبقه إلى بيروت، وأكدت مصادر تابعت زيارة ساترفيلد أن الهم الأميركي الرئيسي يتمثل بالضغط لمنع لبنان من بحث أي عروض روسية لتزويد لبنان بشبكة دفاع جوي خلال زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى موسكو. وقالت المصادر إن واشنطن قلقة في ضوء العروض الروسية لكل من حلفائها في تركيا والسعودية ومصر تزويدهم بشبكة صواريخ أس 400 أن تعرض موسكو على لبنان شروطاً ميسّرة للحصول على شبكة اس 300، لكن ليس لاعتبارات بيع السلاح الأميركي كما هو الحال مع السعودية ومصر وتركيا، حيث تعرض واشنطن شبكاتها البديلة على الحلفاء، بينما تمتنع عن تقديم أي عرض للبنان لأن المطلوب بقاء الأجواء اللبنانية مفتوحة أمام الانتهاكات الإسرائيلية وفقاً لحسابات الالتزام الأميركي لـ»إسرائيل» على حساب السيادة اللبنانية.

داخلياً، بدت الجلسة النيابية التشريعية التي شهدت انتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، محكومة بسقف التشدّد مع الحكومة في شؤون الإنفاق والتوظيف تحت وطأة مناخ مكافحة الفساد الذي يخيّم على الأجواء السياسية والإعلامية، والذي نجح كمناخ رغم غياب أي إجراءات حقيقية توقف الهدر وتمنع الفساد حتى الآن، في تشكيل أجواء رادعة تحول دون تكرار ما كان يجري سابقاً من تمرير سهل لطلبات الإنفاق التي تقدمها الحكومة.

في ملف الإنفاق والهدر والفساد كان المؤتمر الصحافي لمدير عام المالية ألان بيفاني حدث أمس الأول، حيث تحدّث بالتفاصيل عن كيفية فرض التسيُّب المالي نهجاً حكومياً في مرحلة تولي الرئيس السنيورة وزارة المال ورئاسة الحكومة، وكيف حل المستشارون مكان المدراء والموظفين الكبار في وزارة المال، ووجّه بيفاني مجموعة من التحديات للسنيورة، قالت مصادر متابعة للملف المالي إنها بمثابة الضربة القاضية التي تصيب السنيورة في معركة البراءة من المسؤولية عن ضياع المال العام، حيث سيكون صعباً الإفلات من الأرقام والملفات التي باتت بتصرف ديوان المحاسبة والقضاء بعدما أنجزت وزارة المال إعادة تكوين للمحاسبة المالية كانت ممنوعة منذ العام 1993، كما قال بيفاني.

وإذ تشهد الساحة الداخلية حركة دبلوماسية أميركية – أوروبية لافتة تسبق الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأسبوع المقبل، بقي ملف مكافحة الفساد في واجهة الأحداث.

وبعد إعلان وزير المال علي حسن خليل تسليم حسابات المهمة ومشاريع قطع الحساب إلى ديوان المحاسبة والأمانة العامة لملجس الوزراء، دخل المجلس النيابي على خط ملف الفساد عبر انتخاب المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في جلسة عامة عقدها المجلس أمس، في ساحة النجمة برئاسة الرئيس نبيه بري، الى جانب إقرار عدد من التشريعات.

وبدأ المجلس جلسته الصباحية بانتخاب 7 نواب كأعضاء أصيلين للمجلس الاعلى هم: جورج عقيص 95 صوتاً، علي عمار 100 صوت، فيصل الصايغ 105 أصوات، جورج عطالله 97 صوتاً، سمير الجسر 97 صوتاً، هاغوب بقرادونيان 95 صوتاً، والياس حنكش بعد انسحاب بولا يعقوبيان وألبير منصور وعلي درويش. كما فاز بالتزكية نواب الاحتياط، وهم: علي عسيران ورلى الطبش وسليم عون.

وقبيل انتخاب أعضاء المجلس حصل سجال بين النائب بولا يعقوبيان والرئيس بري، بعد أن أشارت يعقوبيان الى اتفاق مسبق بين القوى السياسية على أعضاء المجلس الأعلى فرفض بري الكلام، مؤكداً أن ما ورد في الصحف غير صحيح وأن الانتخابات سرية ولأي نائب الحق في الترشح.

ولاحقاً باشر المجلس في درس ومنافشة بنود جدول أعمال الجلسة وعددها 36، حيث تم إقرار 7 قوانين من أصل 36 كما أجاز المجلس للحكومة الصرف على القاعدة الإثنتي عشرية حتى 31 أيار 2019 مع التزام الحكومة ما ذكر في بيانها الوزاري تخفيض الإنفاق 1 بالنسبة للناتج المحلي.

وحظي هذا البند بإجماع مختلف الكتل النيابية وتحديداً الرئيس بري، بشرط «أن لا تتجاوز هذا الموعد وأن تدرس الحكومة سريعاً مشروع الموازنة وإحالتها الى المجلس النيابي خلال شهر ونصف ليدرسها بدوره في لجنة المال والموازنة وإحالتها الى الهيئة العامة لإقرارها».

أما في جلسته المسائية، فطرح اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى الاجازة للحكومة الاقتراض بالعملات الأجنبية، أثار هذا البند نقاشاً طويلاً واعتراضاً من القوات اللبنانية وبعض الأطراف إلا أن وزير المالية علي حسن خليل أوضح بأن «هذا الاقتراح يأتي من ضمن الموازنة العامة بسبب تأخر الموازنة. هناك خلط بين الإجازة للحكومة إصدار سندات وبين تكليف للحكومة، وكنا مضطرين للبدء بإصدار السندات بالعملة الأجنبية، والاستحقاق الكبير هو في منتصف نيسان».

أما النائب إبراهيم كنعان فقال «اليوم هناك حكومة، وليتها تحترم الإنفاق على قدر الموازنة. هناك مشاريع لم تمر في لجنة المال، ولنسمع هذه الشروحات ونكون قناعة. المفروض أن يأتي ذلك الى اللجنة المختصة، وهنا نتحدث عن الفوائد». وأعلن النائب أسامة سعد رفضه للاقتراح.

وقال النائب ياسين جابر: «الظروف التي أتى فيها الاقتراح لم تعُد مناسبة، وأنا أسحبه ولتأت الحكومة بمشروع».

وقال الرئيس سعد الحريري: «قدم الاقتراح بغياب حكومة وعلينا أن نسدد الأموال، نحن نفضل أن يأتي المشروع من الحكومة، وعلينا تسديد المبالغ بأسرع وقت ممكن، وهذا أمر يحتاج الى عمل. نتمنى أن يقر هذا الاقتراح، وهذا الأمر يأتي في الاساس من ضمن الموازنة». وطرحت صفة الاستعجال على التصويت، فصدق. ورفع الرئيس بري الجلسة الى صباح اليوم بعد إحالة البند المتعلق بأصول التعيين في وظيفة استاذ تعليم ثانوي في المدارس الرسمية الى لجنة التربية.

أما في ملف الكهرباء فوافق المجلس على طلب مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة طويلة الاجل 794 مليار ليرة بموافقة الجميع باستثناء الكتائب والنائب أسامة سعد، وأكد الحريري أن الحكومة تتجه الى وضع خطة للكهرباء خلال ستة أشهر، وهنا لفت بري الى ضرورة أن يكون هناك مجلس إدارة وهيئة ناظمة للكهرباء وأن تعرض خطة الكهرباء على المجلس النيابي.

وشهدت الجلسة مداخلات لعدد من النواب تمحورت حول دور المجلس في الرقابة على الحكومة وطالب آخرون بتطبيق القوانين التي أقرها المجلس الذي بلغ عددها أكثر من 40 قانوناً. وعلمت «البناء» أن الجلسة ستنتهي ظهر اليوم ولن تكون هناك جلسة مسائية.

بيفاني رد على السنيورة

وفي موازاة ذلك، وفي حين أراد الرئيس السابق فؤاد السنيورة عبر مطالعته السياسية والمالية تحويل المعركة مع حزب الله والتيار الوطني الحر الى سياسية ومذهبية وطائفية، يبدو أن المؤسسات الرسمية المعنية أعادت تصويب المعركة بالاتجاه والمضمون الصحيح، فبعد الحملة السنيورية على المدير العام لوزارة المال ألان بيفاني خرج الأخير عن صمته ورد على السنيورة في مؤتمر صحافي في دار الصحافة، مشيراً الى أن «يوجد الكثير من الإثباتات الموثقة التي تؤكد أنني حافظت على إصراري وقاومت محاولات إحباطي ونجحت بالقوة في تشكيل فريق عمل مميّز أثبت حيادية وشفافية عالية، أثبت كفاءة عالية وشفافية موصوفة وأنجز، ما اعتبره البعض مهمة مستحيلة أو ممنوعة، وبات بإمكاننا الاطلاع على حسابات مالية صحيحة ومدققة وفق الأصول». وتساءل غامزاً من قناة السنيورة من دون أن يسمّيه: «أليس غريباً أن يحملنا المسؤولية من حاول إلغاء دور المدير العام ليهيمن على الوزارة بالمستشارين؟». وقال: «كشفنا أن أحد المستشارين كان يحوّل أموال المتقاعدين إلى حسابه الشخصي وأحلنا المخالفة إلى الهيئات الرقابية والقضائية».

وإذ أشارت أوساط سياسية لـ«البناء» الى التنسيق بين مدير عام المالية ووزير المال والتعاون في دحض اتهامات السنيورة، أشارت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» الى أن «التحقيق في ملف الـ 11 ملياراً وغيرها من قضايا الفساد مستمر وفي عهدة الجهات القضائية المعنية بمواكبة من المجلس النيابي ولجنة المال والموازنة التي يرأسها النائب إبراهيم كنعان»، مؤكدة أن «لا خطوط حمراً على أحد بمن فيهم السينورة واي وزير أو شخصية في الدولة الى اي جهة انتمت حتى لو في التيار الوطني الحر، ومن يظهره التحقيق بأنه مرتكب لن يجد تغطية سياسية أو طائفية من أحد. وهذا ما يشدد عليه الرؤساء الثلاثة بشكل دائم»، مذكرة بمدير عام الاتصالات ومؤسسة أوجيرو عبد المنعم يوسف كيف استدعاه القضاء للتحقيق ولم يغطِّه أحد». واستغربت المصادر «الأصوات التي تشكك بنية وقدرة العهد ورئيس الجمهورية والحكومة والقضاء في كشف الفساد والفاسدين وتحقيق الإصلاح في المؤسسات»، مشددة على أن «قطار مكافحة الفساد وتحقيق الاصلاح انطلق ولن يوقفه أحد»، ناقلة عن الرئيس بري التزامه بما يقرّره القضاء في ملف السنيورة أو في غيره من الملفات وأن القضاء هو الفيصل في هذا الأمر وبالتالي يجب إبعاده عن المشاحنات السياسية والطائفية».

وفي سياق ذلك، علق المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم على كلام مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان عن أن السنيورة خط أحمر، قائلا: «عندما تحدث المفتي عن خط أحمر كان يتحدث بالسياسة ولم يكن يقصد القضاء». وأضاف إبراهيم في حديث تلفزيوني: «إذا وصل ملف الـ11 مليار دولار إلى النيابة العامة المالية فسأستدعي كل الوزراء الذين كانوا في تلك الفترة».

الى ذلك أوقفت المدعي العام في جبل لبنان القاضية غادة عون أربعة مساعدين قضائيين في محكمة التمييز والنيابة العامة بينهم كاتبان لدى قاضي تحقيق في قصر عدل بعبدا، وهم: ح.ض.، أ.ب.، ع.أ. وأ.ش.، بتهم تقاضي رشى.

زحمة موفدين في لبنان…

وعلى وقع التطوات المحلية، يشهد لبنان زحمة موفدين، فبعد زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد جال وزير الدولة لدى وزارة الخارجية الاتحادية الالمانية نيلس آنين على المسؤولين، حيث استقبله في قصر بعبدا الرئيس ميشال عون الذي اكد ان معالجة الشأن الاقتصادي واستكمال عملية مكافحة الفساد ومتابعة عودة النازحين، ستكون من اولويات الحكومة، لافتا الى التزام لبنان تطبيق ما اتفق عليه في «سيدر»، حيث يتم تكثيف الجهود لتعويض الوقت الذي ضاع نتيجة تأخير تشكيل الحكومة. وشدّد عون على ان الاصلاحات بدأت في مجالات عدة لا سيما الاقتصاد والإدارة، لافتاً الى ان عملية مكافحة الفساد مستمرة وبقوة ولن يوقفها شيء.

وأبلغ عون الوزير الألماني عدم قدرة لبنان على تحمل تداعيات وجود قرابة مليون ونصف مليون نازح، «الامر الذي يجعلنا نتمسك بمطالبة المجتمع الدولي بالمساعدة على إعادتهم الى المناطق الآمنة في سورية وعدم عرقلة هذه العودة بحجة انتظار الحل السياسي للازمة السورية». واكد ان لبنان سيواصل تسهيل عودة النازحين الراغبين في العودة، وقد بلغ عدد العائدين حتى اليوم 162 ألف نازح «ولم تردنا أي معلومات عن تعرّضهم لمضايقات بل تأمنت لهم منازل جاهزة، والبنى التحتية والمدارس». وجدد دعوته الامم المتحدة الى تقديم مساعدات الى السوريين العائدين في بلدهم لأن ذلك يشجعهم على العودة والبقاء.

وكان الوزير آنين اكد استمرار بلاده في دعم لبنان وتقديم المساعدات اللازمة له، والمشاركة في القوة البحرية العاملة في «اليونيفيل». ومن الخارجية وبعد لقائه الوزير جبران باسيل، قال «نحن على استعداد لمواصلة التعاون على صعيد اليونيفل وعلى المستويات السياسية وتلك المتعلقة بالوضع الإقليمي. وشددت على اننا مسرورون لولادة الحكومة وتناولنا المشاريع التي يمكن تنفيذها في لبنان، والمتصلة بتطبيق اتفاق سيدر ونأمل كمجتمع دولي أن نساهم في ازدهار لبنان.

ورداً على سؤال عن عودة النازحين قال: «نريد ان نرى الظروف في سورية مؤاتية للسوريين لاتخاذ قرار العودة. والقواعد الدولية واضحة جداً في هذا الخصوص ونحن سنعمل مع الحكومة اللبنانية لضمان ان يتحمل الأسد هذه المسؤولية وان الظروف متوفرة ولا أظن أنها كذلك الآن».