أسعد بشارة – الجمهورية

ينظر «التيار الوطني الحر» الى حملة مكافحة الفساد التي أعاد «حزب الله» افتتاحها بإيجابية، لكنه يغمز من قناة تأخّر «الحزب» في ملاقاته الى حملة مكافحة الفساد كأنه يقول لحليفه: «هَلأ عم تحكينا بالليسترين؟».
بعد مقدمة قناة «أو. تي. في» التي فُسّرَت على أنها شغب داخلي على علاقة الوزير جبران باسيل برئيس الحكومة سعد الحريري، وبعد تَنصّل باسيل منها والتلميح الى وجود أجنحة متضررة منه ومن علاقته مع الحريري كتبت هذه المقدمة، عاد رئيس الجمهورية ميشال عون وتبنّى حملة مكافحة الفساد، بنحو يدلّ الى انه يتبنّى بنحو أو بآخر ما قام به «حزب الله».

وعن هذا التبنّي تدرج أوساط «التيار الحر» موقف عون ضمن الضوابط الآتية:

ـ أولاً، يشدد عون على أن تكون حملة مكافحة الفساد في مسارها القضائي البحت بعيداً من أي استثمار سياسي او دعائي، فالفساد يكافح في الملاحقة القضائية، وليس في أن يكون عنواناً لحملات سياسية.

وصحيح انّ التيّار أعدّ كتاب «الإبراء المستحيل»، لكن كان ذلك تعبيراً عن انعدام الوسائل الأخرى في المحاسبة. أمّا اليوم ففي بعبدا رئيس يشكّل مظلة للقضاء والمؤسسات، وهو ذاهب للاتجاه الى النهاية في مسار مكافحة الفساد، و«التيار» لن يخطو خطوة واحدة في ما يمكن ان يهزّ الاستقرار، لأنّ الملف يُفترض أن يعالجه القضاء لا الشارع، وفي حال تمّت الدعوة الى أيّ تحرك شعبي فهو لن يُشارك، بل سيصرّ على انّ الملف قضائي.

ـ ثانياً، إنّ «التيار» يعارض تحوّل السجال الحالي اشتباكاً مذهبياً سنياً ـ شيعياً أو مسيحياً ـ إسلامياً، فليس من المصلحة أن يدخل ملف مكافحة الفساد في نفق مذهبي، وليست هناك مصلحة في أن تدخل المرجعيات الدينية في السجال، بل مصلحة التسوية والحكومة ومسار البلد ان يمسك القضاء بالملف بكل أرقامه وتفاصيله، وأن يبت به تِبعاً لهذه الأرقام، ومن يثبت تورّطه فسيُحاكم وفقاً للقانون.

– ثالثاً، انّ الموقف من «حزب الله» هو أنه تأخّر كثيراً في الانضمام الى حملة مكافحة الفساد، فلقد ترك «التيار» وحيداً حين فتح الملف المالي، وكان الحزب يُداري التوازنات خشية الدخول في حقل ألغام.

ومع ذلك فإنّ «التيار» جاهز للسير في الحملة الى النهاية مع استعداد لعدم تغطية أي مرتكب، وقد قدّم التيار نموذجاً في التعامل مع فساد إكتُشِف في مؤسسة أمنية حيث عوقب ضبّاط محسوبين عليه، كما انّ الحملة على باسيل في اكثر من قضية، تولّى التحقيق فيها القاضي علي ابراهيم ومنها المازوت الأحمر، توقفت بعد أن تَوصّلت التحقيقات الى تورّط جهات أخرى في الملف، وهذا يؤكد ان ليس لدى «التيار» أي خشية من فتح كل الملفات، وهو في صَدد التحضير لتقديم ملفات الى القضاء.

تشير المعلومات الى انّ المناخ داخل «التيار» سيسير في اتجاه رفع السقف عن البعض الذين يرى باسيل انهم باتوا ثقلاً على التيار، والأمر متعلق بتحقيقات أُجريت في بعض الإدارات، وفي القضاء وفي مؤسسات أمنية، ويجري نقاش في «التيار» حول طريقة التعامل مع قضية حساسة أثيرت أخيراً ويمكن ان تطاول بعض المحسوبين عليه.

ويميل باسيل الى تقديم هؤلاء «عربون إثبات» على عدم تغطية أحد مهما علا شأنه في الادارة، وليس مستبعداً ان يفضي هذا النقاش الى اتخاذ القرار، علماً أنّ من يشغل هذه المواقع الحسّاسة والمهمة سبق أن عُيِّن في فترة ليست ببعيدة، وسيكون رفع الغطاء مُكلفاً سياسياً، لكن خيار تحمّل الأثقال بات صعباً في مرحلة التبشير الدائم بمكافحة الفساد.