تشرين الثاني - الجمعة 10/11/2000
رحلة مع الشهيد المجهول «أبو زينب»
الشهيد أحمد الحسن: سأثأر لشهداء مجزرة بئر العبد
«الاستشهادي أبو زينب» علامة فارقة في تاريخ المقاومة الاسلامية، وجندي مجهول في مسيرة الجهاد والمقاومة.. ظل اسمه لغزاً حتى تحرير الأرض واندحار العدو الصهيوني.
«أبو زينب» هو اسم لاستشهاديين، كان يُفترض أن ينفذا عمليتين في وقت واحد، إحدى العمليتين تأخرت من حيث الوقت، وكان قائدها الاستشهادي أحمد بشير الحسن، من مواليد برج البراجنة .1959 وكان يواكبه فيها الشهيد العزيز علي محمد سليمان من بلدة باتوليه. أثناء توجّههما لتنفيذ المهمة في 22 آذار 1985، حصل حادث لم نعرف حقيقته بالضبط، وانفجرت الشاحنة المليئة بالمتفجرات، واستُشهد الأخوان الحسن وسليمان. (من كلمة للأمين العام في احتفال النصر في الخيام).
أبو زينب الثاني هو الشهيد عامر كلاكش، قائد عملية بوّابة المطلة.
قبل سنوات قليلة، تحرر جزء من لغز «أبو زينب» الأول (أحمد الحسن)، حين خرجت صورته الى العلن لتتصدر الشارع الممتد من طريق المطار حتى تحويطة الغدير.
تساءل الكثيرون: من هو هذا الشهيد الكبير الذي يحظى بهذا القدر من التكريم، وهو الذي كان مجهولاً باسمه وهوية العملية التي نفذها.
حتى كان التحرير والنصر، فكشف الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله لغز الاستشهاديين «أبو زينب».
من هو الاستشهادي أبو زينب، أحمد بشير الحسن؟ هنا جولة في فلك أسرته. ومحاولة لاستعادة أيام من رحلة الجهاد والشهادة.
عندما وُلد أحمد استبشرت أمه بمولودها الجديد الذي لفّته هالة من البياض أشبه بنور يتوقد.. وقرأت في قسمات وجهه خيراً سيقترن به في المستقبل.
كبِر الطفل.. فكبُر في عيني والديه لتميزه عن أقرانه بكثرة الصمت، فكان الصمت ملازماً له، والخجل غالباً ما يلون وجهه، لا يكسر ذلك غير المحبة التي يحظى بها لدى جيرانهم وأقاربهم.
وعندما اشتد عود الفتى أحمد، كان مميزاً في مدرسته في برج البراجنة، فتصفح في دفاترها ألواناً مختلفة، وقرأ كلمات أبحرت به بعيداً عن جدران المدرسة الى أخطار قادمة.. فكانت المدرسة سبيلاً ليتحلق مع مجموعة من رفاقه، فيشكلوا خلية للجهاد والمقاومة.. ولو بالعقيدة والارادة المبنية على الإيمان بالله الذي غذوه من خلال ترددهم الى المسجد وحضور الأمسيات والصلاة اليومية. ومن هناك تحددت الخطوات الأولى لمسيرة «أحمد» في الجهاد ضد قوات الاحتلال الصهيوني التي أنشأت مواقعها على مقربة من منزله في مطار بيروت ومحيطه.
يقول شقيقه علي: «الجميع هجروا المنطقة نتيجة الاعتداءات التي كانت تمارسها قوات الاحتلال، إلا أحمد وبعض إخوته، فكانوا هنا مرابضين، يحوّلون مواقع الاحتلال الى جحيم».
وتشير والدته الى «أن أحمد كان يتمتع بخلق رفيع، وكان مثال الشاب المؤمن والمتواضع.. حتى أننا بعد شهادته اكتشفنا الكثير من الميزات التي كنا نجهلها، ومنها عمله الاصلاحي والاجتماعي في محيطنا، وكثيرون جاؤوا يقولون: لقد عمل أحمد على حل مشاكلنا».
ليس كل ذلك سوى الأرضية الخصبة التي أنتجت هؤلاء المميزين في أمتهم، الذين رُفعوا بإيمانهم الى درجة الاستشهاديين.
خرجوا بملء إرادتهم، وبوعي مطلق الى ان زوال الاحتلال مرهون بفعل عطائهم.. وأحمد الحسن واحد منهم، كان الى جانب جهاده العسكري يتابع دراسته في الجامعة اللبنانية. يقول شقيقه مصطفى: انه كان يثابر على الحضور الى الجامعة، على الرغم مما يحيط بذلك من مخاطر في ذلك الوقت. لافتاً الى انه عندما استُشهد كان في السنة الثانية علوم سياسية وإدارية».
عائلة الحسن التي قدمت شهيداً في شباط 1984 في مواجهة الاحتلال وعملائه المأجورين، هو شقيق الشهيد أحمد، حسين بشير الحسن (مواليد 30ر3ر1966)، عبرت بهذا الشهيد الى مصاف العوائل المضحية التي انخرطت في مسيرة الجهاد منذ ولادتها الأولى.. لم تكن تتوقع أن تصبح عائلة لشهيدين في غضون سنة فقط.
لكن «أحمد» خالف توقعاتها واختار ركب سيد الشهداء، ملتحقاً بشقيقه الذي سبقه في الطريق نفسه.
تقول الوالدة: «ان شهادة أحمد زادتنا إيماناً بأن الله أحبنا فاختار منا شهيدين، وكل الشهداء الذين يرتفعون الى جوار الله هم أبنائي وأحبائي.. وتدمع عيني لشهادتهم، وكأن حسين وأحمد استُشهدا معهم».
رحلة مع الشهيد المجهول
خرج الشاب أحمد الحسن من منزله من دون ان يعلم أحد من أسرته وجهة سيره، كعادته في كتمان ما يحيط بأعمال المجاهدين، إلا شقيقه مصطفى الذي كان مستودع أسراره، فلم يقل أكثر من أنه سيتوجه الى الجنوب في عمل خاص لزيارة أصدقائه.
لا يعلم الأهل كيف عبر أحمد الى الجنوب الذي كان يرزح تحت الاحتلال، ولكنهم يتوقعون أنه مرّ عبر التلال والأودية لتجاوز حواجز الاحتلال وتنفيذ العملية التي جاءت رداً على مجزرة بئر العبد التي نفذتها الاستخبارات الاميركية والصهيونية، وأدت الى استشهاد نحو مئة لبناني.
تقول الوالدة: «قال لي أنا سأثأر لشهداء بئر العبد. فقلت له: كيف؟ هل ستقتل مئة اسرائيلي؟ فقال: من يدري.. ربّما».
اختفى أحمد ولم يعد أحد يسمع بأخباره، فخرج الأهل يبحثون عنه ووجهتهم الجنوب، لعلمهم بما يختزنه من عشق للجهاد والمقاومة. مرت أيام وأسابيع حتى جاء من يعلمهم بشهادته خلال المواجهات مع العدو، من دون اي تفاصيل اضافية. وأقام الأهل «أسبوع الشهيد» وتبركوا بمقامه الجديد.
لكن الأهل كانوا يعلمون ان شهادة أحمد كما هو مميزة، واستمعوا الى شريط سجله بصوته يدعو فيه الى الانخراط بالمقاومة لطرد الغزاة، فأدركوا أن ابنهم هو استشهادي.
ذهب شقيقه الى حيث كان التحضير للعملية، وأخذ ما تركه من ذكريات شخصية، ومرّ على موقع الشهادة.. كل ذلك والأهل يحيطون ما قام به ابنهم بسرية مطلقة، «لأن هذا ما أرادته المقاومة لدواعٍ وأسباب هي من يقدرها». يقول شقيقه علي ويضيف: «بعد عام وعند اندحار الاحتلال في ثاني مراحله، زرنا بلدة باتوليه وشاركنا في احتفال الذكرى السنوية الذي تحدث فيه الشهيد السيد عباس الموسوي. وبعد ذلك زرنا ضريح الشهيد في جوار ضريح الشهيد علي سليمان، في تراب هذه البلدة المجاهدة».
ويعتبر شقيقه مصطفى «ان الشهيد «أبو زينب»، أحمد الحسن، يحضر فينا مشعلاً ينير لنا الطريق.. ولقد زرت الجنوب بعد التحرير، وحيثما كنت أذهب، كنت أشعر بأني أراه، لأن هذه الأرض تحررت بفضل دمائه ودماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم من أجل عزتنا».
وترفع الأم يديها الى السماء.. تسأل الله أن يعزّ أمته بنصر كبير من عنده، وأن يحفظ قائد المقاومة.. وأبا الشهداء».
أمير قانصوه
وصية الشهيد «أبو زينب» أحمد بشير الحسن
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السلام على أبي وأمي وأهلي وإخوتي، أنا اليوم في الجنوب، جئت لمقاتلة العدو الصيهوني، وغداً سأفجر نفسي بالصهاينة.
أنا اخترت هذه الطريق، وأطلب من أمي أن لا تبكي عليّ، لأني سأكون مع الإمام الحسين (ع)، ومع الرسول (ص) والأئمة (ع).
السلام على أبي وأخواتي وإخوتي..
وعلى جميع المجاهدين المؤمنين.
وصيتي لهم أن تتوجه كل أنظارهم نحو العدو الاسرائيلي، لأن هذه فرصة للشهادة في سبيل الله، وأنا أنصح جميع المؤمنين بالمجيء الى الجنوب ومقاتلة الصهاينة.
(عن تسجيل صوتي للشهيد الحسن قبل ساعات من شهادته).