نبيل هيثم – الجمهورية

 

 

أيام قليلة، ويصل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى لبنان، في سياق جولة تقوده أيضاً إلى إسرائيل والكويت، وتأتي استكمالاً لجولته الأولى التي قادته قبل أسابيع الى بعض دول المنطقة.
درجت العادة اللبنانية، أنه فور وصول أيّ زائر اقليمي أو دولي، تدور الاسطوانة، وتعيد تكرار الكلام ذاته؛ «انّ هذه الزيارة تعكس مدى الاهتمام بلبنان، ولتأكيد دعمه واستقراره». ومع مغادرته تتوقف الاسطوانة لتعود إلى الدوران مع زائر جديد!

اكثر من ذلك، يصاب بعض اللبنانيين من سياسيين وغير سياسيين بما تُسمى بالعامية «الفرحة»، إذ كلما حضر زائر يبالغون في الاحتفاء به، ويجعلونه حائط مبكى، ويحيطون زيارته بآمال لا سقف لها، وكأنه آتٍ محمَّلا بالمنِّ والسلوى وحاملاً في يده مفتاح باب الخروج من الازمة.

حضر الاوروبيون؛ الايطاليون، الفرنسيون، الالمان، البريطانيون، وغيرهم، وسيأتي غيرهم، وحضر الايرانيون أيضاً، وثمة كلام عن حضور عربي وشيك من مستوى وزير فما فوق، وأما الأميركيون فكانوا أكرم من غيرهم بزيارات متتالية لمسؤولين من مختلف الرتب العسكرية والمالية والدبلوماسية ستُستكمل بعد أيام مع وصول بومبيو.

وخلاصة أبحاثهم مع المسؤولين اللبنانيين أن لكل زائر اجندته، وينظر إلى لبنان من منظار مصالحه لا اكثر. وفي الخلاصة تنتهي الزيارة بلا منِّ أو سلوى، وما بعدها نفسه كما قبلها، اي يعود لبنان الى التموضع في أزمته، وأما المبالغون فيبلعون ألسنتهم!

حالياً تطغى على البلد أجواء زيارة بومبيو، وثمة سؤال يسبقها: ماذا يحمل للبنان؟

يقول مرجع سياسي: بومبيو هو صاحب مقولة أن وشنطن ستضع لبنان بعد تشكيل حكومته، تحت المجهر الاميركي. واما هدف زيارته فيُقرأ من زيارة دافيد ساترفيلد، ثمة أجندة اميركية واضحة مرسومة لكل المسؤولين الاميركيين، وتتمحور حول ما يلي:

– التأكيد على شيطنة «حزب الله»، وهذا هو التوجه الدائم لواشنطن، واعتباره مصدر قلق على مستوى المنطقة والعالم، وعامل تهديد لاستقرار لبنان.

بومبيو نفسه نظّر لعقوبات خانقة على الحزب، ولإخراجه من الحياة السياسية في لبنان، كما فعل في كلمته في جامعة القاهرة قبل فترة قصيرة حيث قال: «واشنطن لن تقبل بالوضع الحالي الذي يمر به لبنان بسبب «حزب الله»، وإنّ الإدارة الأميركية تعمل على تقليل تهديد ترسانة «حزب الله» الصاروخية على إسرائيل».

– المزيد من التشدّد حيال ايران كنظام يشكل في نظر الاميركيين وحلفائهم، خطراً وتهديداً لكل دول المنطقة، وبالتالي تحذير لبنان من تزايد النفوذ الإيراني فيه.

– المزيد من التشدّد حيال سوريا، التي يقال إنّ واشنطن فرملت اندفاعة بعض العرب لإعادتها الى الجامعة العربية. وبالتالي إسداء «نصيحة» للبنانيين بكبح أي ّمحاولة لبنانية رسمية للانفتاح على النظام السوري. حتى من باب النازحين السوريين، الذين ما زالت عودتهم معطلة بالـ«فيتو» الدولي.

– إعادة تسويق المنطق الإسرائيلي في ما خص الحدود البحرية المختلف عليها مع لبنان، لناحية حمل لبنان على الموافقة على ما يُسمى «خط هوف»، الذي يحرم لبنان من مساحات واسعة من حدوده البحرية التي تكتنز على ثروة هائلة من النفط والغاز.

– التأكيد للمسؤولين اللبنانيين بأنّ واشنطن هي الحاضر الأول والأساس في الملف اللبناني، وليست مصادفة ابداً تزايد الموفدين الاميركيين في زمن «سيدر»، وكذلك ليست مصادفة توقيت زيارة بومبيو عشية زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى موسكو.

هذا في الجانب اللبناني من جولة بومبيو، ولكن ماذا عن الجوانب الاخرى؟

الحراك الأميركي المكثف في المنطقة، بحسب قراءة ديبلوماسية، يعكس تصاعداً في صراع النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا على الشرق الأوسط، ضمن نطاق واسع يتجاوز الميدان السوري. الذي عاد ليشكل عنواناً للتنافس بين القوّتين العظميَين، خصوصاً بعد تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قراره بالانسحاب من سوريا.

هذا التنافس، تضيف القراءة، يجري التعبير عنه على اكثر من ساحة إقليمية ودولية، فالديبلوماسية الأميركية ناشطة في الاتجاهات كلها، والموقف يتعقّد مع موسكو تحت اكثر من عنوان.

وأما الروس فيعتبرون أنّ المعادلة في سوريا تغيّرت لصالحهم، ومن هنا وفي موازاة الحراك الاميركي، رفعت موسكو من وتيرة مقارعتها واشنطن في مناطق نفوذ أخرى لها في الشرق الأوسط، لا سيما في الخليج العربي.

وفي هذا السياق، تندرج الجولة الخليجية لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بعد نحو شهرين على جولة نظيره الأميركي إلى دول الشرق الأوسط. وتبدو جولة لافروف جسَّ نبض لخطوات لاحقة قد تترجم بزيارة يقوم بها الرئيس فلاديمير نفسه إلى عدد من الدول الخليجية، خصوصاً أنّ ثمة دعوات موجّهة إليه من أكثر من جهة.

وبحسب القراءة الديبلوماسية، فإنّ واشنطن منزعجة من «محاولة» الحضور الروسي في الخليج، وخصوصاً ممّا حُكي عن محادثات اجراها لافروف حول صفقات شراء منظومة «أس-400» الدفاعية الجوية.

بعض المحللين قال إنّ الحراك الروسي تجاه الدول الخليجية، إن نجح فسيؤدي إلى حضور روسي اعمق في الخليج، وتقارب سياسي روسي خليجي في أكثر من ملفّ إقليمي.

ولكن في هذا الكلام بعض المبالغة، إذ إنّ القول عن تمدد روسي جدي في الخليج على حساب الاميركيين، لا يعدو اكثر من «فرضية غبيّة»، لا تستطيع موسكو مهما شعرت بالقوة، أن تغامر بالذهاب اليها.

في خلاصة القراءة الديبلوماسية انّ المنطقة على خط النار، وما بين حراك اميركي تارة، وحراك روسي تارة اخرى، تبدو معرّضة لاهتزازات تهدّد التسويات، ما يرسم علامات استفهام حول مستقبل المنطقة، خصوصاً وأنّ كل هذه الحراكات تؤشّر الى توجّه لإعادة خلط للأوراق على المستوى الإقليمي، وبشكل اكثر حدة على خط العلاقات الروسية – الأميركية.