تحت نظر تركيا… النصرة تقصف أحياء حلب لرسم معادلة أمن حلب مقابل وقف الحسم في إدلب 
الحريري والسنيورة وريفي… لتحالف أبعد من انتخابات طرابلس 
الترسيم البحري يُشغل لبنان وسط تهرّب أممي – أميركي وتصعيد إسرائيلي

كتب المحرّر السياسيّ – البناء

عاد الوضع الأمني شمال سورية إلى الواجهة من الشرق والغرب، حيث شرقاً تتم عملية تهريب آلاف مقاتلي داعش باتجاه الباديتين السورية والعراقية بتسهيلات مكشوفة من الجماعات الكردية المسلحة والمخابرات الأميركية بما لم يعد كافياً لتفسيره الحديث عن الرشاوى المالية، وبما يكفي للاستنتاج أن الحاجة الأميركية لبقاء داعش والتذرّع بمعارك مقبلة يفتتحها التنظيم، سيبرر بقاء القوات الأميركية في سورية والعراق، ولو لمرحلة مؤقتة يتاح خلالها استكشاف مستقبل معارك إدلب، بعدما صار البدء بالانسحاب الأميركي من سورية بوابة مباشرة لفتح ملف الانسحاب من العراق.

في جبهة إدلب يبدو الوضع مقبلاً على معارك كبرى في ضوء حجم القصف المدفعي والصاروخي والجوي الذي تنفذه وحدات الجيش السوري على مواقع جبهة النصرة التي ردت ليلاً على استهداف أحياء حلب من مواقعها في الريف الشمالي والغربي للمدينة حيث تتمركز القوات التركية، وبدا من حجم ونوعية القصف الليلي الذي أربك الحياة في المدينة أنه رسالة تركية غير مباشرة لإقامة معادلة تربط أمن حلب بمستقبل معركة إدلب التي لا يريد لها الأتراك أن تسير وفقاً لروزنامة الجيش السوري، أي دون أثمان تطلبها تركيا في ما تسمّيه المنطقة الآمنة في شرق الفرات.

 

لبنانياً، فيما يستعدّ رئيس الحكومة سعد الحريري للسفر إلى بروكسل بعدما حسم في زيارته لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون استبعاد مشاركة وزير شؤون النازحين صالح الغريب ضمن الوفد الرسمي، شكلت المصالحة التي جمعت الحريري مع الرئيس السابق فؤاد السنيورة، والوزير السابق أشرف ريفي تحت عنوان المصالحة وفتح صفحة جديدة، والتعاون الانتخابي في طرابلس لحساب المرشحة المدعومة من تيار المستقبل ديما جمالي، مصدر للتساؤل حول ما إذا كان الحريري قد انتقل في السياسة من موقع التسوية التي قامت على ما وصفه بربط النزاع الإيجابي مع حزب الله إلى رسم نوع من توازن رعب عنوانه، حماية الرئيس السنيورة شرط مسبق لمواصلة السير بشروط التسوية، جاعلاً من التفاهم مع ريفي سلاحاً صالحاً للاستعمال في هذا التوازن، بينما حملت تصريحات الحريري حول ملفات الفساد إشارات نحو تفاهم على وقف الحملات الإعلامية وارتضاء السير بالملفات إلى الأجهزة الرقابية والقضاء ومجلس النواب، خصوصاً بعدما أنجزت وزارة المال ملفات المحاسبة العمومية للأعوام الماضية وقامت بإحالتها إلى ديوان المحاسبة وفقاً لتوجيهات رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهو ما أكدت مصادر متابعة اعتباره الطريق الدستوري للمساءلة بعيداً عن التشنّجات والتجاذبات التي تخلق مناخات من التوتر السياسي والطائفي تعطل المساءلة.

 

الملف الأخطر الذي يتصدر الاهتمامات اللبنانية هو ما بات مؤكداً لجهة الضغوط الأميركية في ملف ترسيم الحدود البحرية لحساب المصلحة الإسرائيلية على حساب لبنان وحقوقه في النفط والغاز، وهو ما أكد زوار رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي، أنه يشكل موضع اهتمام وتنسيق بينهما ومع رئيس الحكومة بما يتيح حماية الحقوق اللبنانية، خصوصاً أن المصادر المتابعة نفسها تحدثت عن وجود تأكيدات تظهرها الاتصالات الدبلوماسية لتنصل أممي وأميركي عن لعب دور الوسيط النزيه في هذا الملف، بينما تتجه إسرائيل للتصعيد العملي بالاستعداد لطرح تلزيم مربعات تهدّد بالاستيلاء على جزء مهم وحساس من الثورة اللبنانية.

بعدما كثرت الترجيحات أن يرجئ وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو بيروت، تحدّد أمس الموعد الرسمي لزيارة الأخير في 22 و23 من الحالي على رأس وفد يضم نائب وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد ومساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هايل، وعدداً من المستشارين، حيث سيلتقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، وعدداً من الشخصيات السياسية في فريق 14 آذار.

وأشارت مصادر مطلعة على الموقف الاميركي لـ«البناء» الى ان الزيارة التي تأتي استكمالاً لزيارة ساترفيلد وسبقتها زيارات اميركية عديدة ، تهدف الى إبلاغ المعنيين في لبنان أن واشنطن ستبقى الى جانب لبنان طالما انه ملتزم سياسة لا تنصاع لمصالح بعض الاطراف المحلية ذات الارتباطات الإقليمية، في اشارة بحسب المصادر الى حزب الله، مشددة على ان بومبيو سيؤكد للمعنيين أن لبنان يمثل أولوية للإدارة الاميركية التي لن تسمح أن يخرج عن توجهاتها لا سيما في ما خص ملف النازحين والعلاقة مع النظام السوري والموقف من حزب الله، قائلة في شأن حزب الله، إن بومبيو سيجدد تأكيد واشنطن الضغط على حزب الله اقتصادياً.

 

في المقابل، شددت مصادر مطلعة في حزب الله لـ«البناء» على أن السياسة الأميركية لم ولن تحقق ما تصبو اليه، فهي فشلت في المرات السابقة وستفشل اليوم، مضيفة: صحيح ان الحزب سيواجه بعض الصعوبات المالية لكنها لن تؤثر على امكانياته، واذ لفتت المصادر الى ان واشنطن فشلت في كل حروبها التي خاضتها بأشكالها المختلفة ضد المقاومة، اعتبرت ان القرار البريطاني بتصنيف حزب الله على لائحة الارهاب والذي قد يعقبه قرار آخر من المانيا يأتي في سياق الضغط الاميركي الذي لن يحقق ما يبتغيه الرئيس دونالد ترامب، غير أن المصادر نفسها دعت المكونات السياسية المحلية الى التنبه لما يحاك للبنان، مشددة على ضرورة التصدي لذلك بالوحدة الوطنية والتعاون الحكومي بعيداً عن الانصياع الى التدخلات الخارجية. ونفت المصادر أن يكون حزب الله قد فتح ملف محاربة الفساد والحسابات المالية لتطويق الرئيس سعد الحريري، من أجل تمرير تسويات تتعلق بوضعه في الخارج العقوبات المالية ، مضيفة «حزب الله مستمر في مكافحة الفساد حتى النهاية مهما واجه من ضغوط».

وكان الرئيس سعد الحريري أعلن أمس، من قصر بعبدا بعد لقائه الرئيس العماد ميشال عون إن «مؤتمرات صحافية عقدت حول الحسابات المالية والفساد وقد انتهينا منها، واليوم ثمة هدوء في هذا الموضوع، ويتم العمل على أن هناك موازنة يجب ان تنجز وقطع حساب يجب ان يحول الى مجلس النواب ونقطة على السطر. إن حزب الله او تيار المستقبل ليسا متجهين لاتهام بعضهما البعض بالفساد، بل متجهان الى إنهاء الفساد مع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ومع كل الأفرقاء. وبالنسبة لي، فان اي مؤتمر صحافي يتناول الفساد هو حامٍ له، فمن يريد محاربة الفساد يعمل بصمت ووفقاً للقانون وما كنا متفقين عليه لجهة رفع اليد عن اي مرتكب». ولفت الحريري الى أن «موقفنا موحّد مع الرئيسين عون وبري في ملف مكافحة الفساد ولن يكون هناك تغطية لأي شخص في هذا الملف».

وكان الحريري حضر إلى بعبدا لوضع الرئيس عون في أجواء زيارته وتحضيره لمؤتمر بروكسل اليوم، وشدد على أنه سيناقش في بروكسل إمكانية تطوير الموقف في ما خص عودة النازحين، مؤكداً أنه ستكون هناك فرصة حقيقية للتحدث مع المعنيين بهذا الموضوع.

وبالنسبة لعدم دعوة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب للانضمام الى الوفد المشارك في مؤتمر بروكسل، اعتبر الحريري أن رئيس مجلس الوزراء يمثل لبنان، وقال: «هناك لغط في هذا الموضوع ولا أحد يلعب على هذا الوتر».

وفيما شدّدت مصادر نيابية في 8 آذار لـ«البناء» على أن قرار الرئيس الحريري باستبعاد وزيري الصحة والنازحين عن مؤتمر بروكسل لا يعكس سوى كيدية سياسية، رأت المصادر أنه كان الأجدر برئيس الحكومة الذي كان على اضطلاع على زيارة الغريب الى سورية أن يتعاطى بمسؤولية مع قضية بحجم ملف النازحين، مشيرة الى ان سياسته لا تبعث على الايجابية طارحة علامات استفهام حول مواقفه بعد عودته من المملكة.

 

وأكدت كتلة المستقبل أن «مشاركة رئيس الحكومة على رأس الوفد اللبناني لمؤتمر بروكسل كافية لأن تغطي كل جوانب التمثيل الوطني والرسمي، وان بعض المحاولات التي ترمي الى تحميل أصدقاء لبنان في المجموعة الاوروبية والمجتمع الدولي تبعات الحساسيات المحلية، لن تقدّم أو تؤخر في المسارات المعتمدة للتعامل مع قضية النازحين، ولن تعدو كونها أساليب معروفة ومرفوضة لعرقلة أي جهد يقوم به رئيس الحكومة الذي سيحمل حكماً موقف لبنان الرسمي بعيداً عن أية مزايدات وتأويلات».

وكرّر رئيس الجمهورية بدوره خلال استقباله في قصر بعبدا، وفداً نيابياً فرنسياً برئاسة النائب غواندال رويار مواقفه المعروفة من النزوح السوري. فأعرب عن رغبته أن «تساهم فرنسا والدول الاوروبية في مساعدة لبنان على إعادة النازحين السوريين الى المناطق الآمنة في سورية»، لافتاً الى ان «عدد النازحين الذين عادوا من لبنان حتى الآن بلغ 167 الف نازح، قال رئيس المفوضية السامية لشؤون اللاجئين السيد فيليبو غراندي بعد زيارته الى سورية انهم يعيشون في ظروف مطمئنة».

وشددت مصادر بعبدا لـ«البناء» على ان الرئيس عون يجهد لتوحيد الموقف من ملف النازحين انطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا، مشيرة الى ان الرئيس عون يدعو المعنيين الى النظر الى هذا الملف الحساس من منطلق التحدّي الذي يتعرض له لبنان من جراء النزوح على المستويات كافة لا سيما الاقتصادية، مشددة على ان قضية النازحين ستبقى قضية العهد الاولى، مشدّدة على أن أي حل لا يعكس مصلحة لبنان العليا سيتم التصدي له، لافتة الى ان المجتمع الدولي لا يزال يضع العراقيل في طريق عودة النازحين الى ديارهم بذرائع واهية، فمن يقدم المساعدات عليه أن يقدمها إلى السوريين العائدين والراغبين بالعودة.

الى ذلك حضر الوضع في الجنوب خلال لقاء وكيل الامين العام لعمليات السلام ورئيس إدارة عمليات السلام في مقر الامم المتحدة جان بيار لاكوروا وقائد قوات اليونيفيل ستيفانو ديل كول مع المسؤولين اللبنانيين، بدآها من قصر بعبدا، حيث أكد لاكوروا الاستعداد لاستمرار التعاون مع الحكومة الجديدة وإمكانية المضي قدمًا في بعض المشاريع المهمة في ما يتعلق بتعزيز القوات المسلحة اللبنانية الموجودة في الجنوب، وتعزيز القدرة البحرية للقوات المسلحة اللبنانية، وإمكانية مواصلة النظر في زيادة عدد القوات اللبنانية في الجنوب. وفي حين لفت رئيس الجمهورية ميشال عون إلى أن لبنان لا يزال يواجه معارضة إسرائيلية لترسيم الحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة على رغم الاقتراحات التي قُدمت في هذا الاتجاه، أبدى رئيس المجلس النيابي نبيه بري قلقاً من التأخير في ترسيم الحدود البحرية، مشدداً على دور الأمم المتحدة في ترسيم الحدود.

 

من ناحية أخرى، حضر الملف المالي في لقاء الرئيس سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل الذي أكّد في تغريدة الالتزام بإنجاز موازنة بأسرع وقت ممكن لافتاً الى أن «التزامنا أن تكون موازنة تعكس حرصاً لبنانياً لما رسمناه في البيان الوزاري». وأوضح حسن خليل أنه يتم العمل على تخفيض عجز الموازنة في إطار خطة إصلاحية عبر قرارات جذرية وبنيوية وقال: «نحن أمام امتحان حقيقي في ذلك». شدد على أن «محاربة الفساد معركة جدّية بالنسبة إلينا، بدأناها منذ اللحظة الأولى، وهي مستمرّة بإجراءات استباقيّة وإجراءات ردعيّة لكل من تسوّل له نفسه أن يخالف القوانين أو يمارس ابتزاز المواطن على حساب مصالحه أو على حساب سمعة الدولة وموقعها».