لطالما ارتبط مفهوم الظواهر بالطبيعة أو الكون ولاحقاً بالفلك، ذلك قبل أن يتطور الفكر البشري ويتشعّب في ملاحظته لظواهر من نوع آخر، احداها تلك الثقافية، فعلى غرار لفظ الفضاء لأحد الأجسام (النيازك مثلاً)، المنحرفة عن مسارها ورميها خارج المنظومة الشمسية باتجاه كوكب الأرض وما ينتج عنه من مضاعفات، فإنّ كياناً هجيناً زرع عنوةً في أرض الإسراء والمعراج في اربعينيات القرن الماضي، يختلف  عن تلك الأرض وعن المنطقة المحيطة بها برمّتها في الثقافة الإنسانية بالدرجة الأولى، التي وصمت بالإجرام وقوبلت بالمقاومة..
لم ينعم الكيان الصّهيوني مذ وطئ تراب فلسطين بالالتحام معه ومعها، لا اهلاً ولا حتى سهلاً، بل صفيح من حجر وسكين وبارود، أضف الى ذلك ومن "ثقافة"..
اما وإن كان السّبب يولّد نتيجة ونقد النظرية يؤسس لأخرى، وإن كانت الظاهرة تنتج أحداثاً والفعل ردّ فعل، نعم فالاحتلال خلق مقاومة، تلك المقاومة التي بات يراها البعض من دعاة السّلام على النهج الاميركي، انها حجر عثرة امام أمن البلاد واستقرارها، أمنهم هذا الذي يتطلعون اليه ليس إلّا تنازلاً، والاستقرار مرهون بحماية المحتل!
لكن انّى تتأتّى لديهم تلك الرساخة في فهم ويلات الاحتلال من جهة وجدوى المقاومة من جهة ثانية، حيث ان ذلك يتطلب الإيمان بثلاثيّة "العروبة والوطن والتحرير" التي استهل بها الصيدلانيّ المثقّف ذات "شهادة حياة" وصيته وائتمن عليها كل سائر على درب البواسل.

منذ سنتين، قرّ باسل الأعرج للحياة برغبته الاحتفال بها، أراد أن يذخر -ما قرأه من نظريات وتأثر به من فلسفات واستلهم من تجارب لأنطونيو غرامشي وغسان كنفاني وغيرهما كثر-رصاصاً في رشاشه، وعرج في رحلته.
ارتحل باسل الأعرج جسداً، ولم يرحل نموذجاً، قبل فعل الاشتباك الذي صنعه لم يراجع اي من زملائه المثقفين أدوارهم وإنجازاتهم، لم يشكك أحدهم يوماً في فائدة ما يدونه قلمه أو ترسّخه كلماته في أذهان الشّباب العربي، أمّا ما خلّفه باسل الأعرج من إرث في بقعة دم تقاس على الأغلب باحدى وحدات القياس المتعارف عليها، تعانقها كوفيّة وذخيرة من رصاص ومن كتب، فإنّ المثقف العربي بات شكّه على المحك، حيث الأولويات أصبحت محلّ مراجعة ونشأ صراع بين إمكانية استبدال سلاح بآخر أو إمكانية الجمع بينهما.
نعم شكّل باسل الأعرج وأمثاله صدمة لنا وأزمة للعدو الإسرائيلي، الأخير تعاطى مع أزمته المقلقة بأن لاحق وطارد واشتبك مع الفاعل، ثمّ قتله بثقافته الإجرامية المعتادة، وكانت معركته الأسهل بفعل التنسيق مع دعاة السّلام السابق ذكرهم. أمّا نحن فقد خضنا المعركة الأصعب، فتجاوزنا مرحلة الترويج والاقناع لثنائية "الثقافة والاشتباك" في الندوات والاحتفالات، وها نحن نرقى في كل يوم درجة في العلى بخيرة من الشباب المثقف المقاوم على درب "تحرير الوطن والارتقاء بعروبتنا".

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع