تستعد الأوساط السياسية في تركيا مع نهاية الشهر الجاري، لحصاد شهور طويلة سابقة من العمل على إعداد البرامج الانتخابية والترويج لها جماهيرياً. 
أيام قليلة تفصل السّاحة التركية عن الاستحقاق المحلّي البلدي، حيث ستجري الانتخابات في أحدى وثمانين محافظة تركية، ثلاثون منها تعدّ كبرى. هذا وقد أعلنت اللجنة العليا للانتخابات تمكّن ثلاثة عشر حزباً من المشاركة، خمسة منها ممثلة في البرلمان التركي.
وفي الحديث عن خريطة التحالفات، نجح "تحالف الجمهور" (حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية) في إطالة أمد هذه الشراكة، بُعيد فترة من الأخذ والردّ الخطابي بين رئيسيه لناحية التخلّي عن التحالف الذي طبع مرحلة الاستفتاء على التعديل الدستوري عام 2017، وما تبعه من انتخابات رئاسية ونيابية مزدوجة مع إقرار النظام الرئاسي في 24 حزيران 2018.
من جهتها تراهن المعارضة التركية على زعزعة القاعدة الانتخابية للحزب الحاكم، حيث تحالف حزب الشعب الجمهوري المعارض مع الحزب الجيّد، المنشق عن حزب الحركة القومية، تحت مسمى "تحالف الأمة".
كما يقف حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في صفّ المعارضة وإن لم يكن هذا التأييد بشكل معلن.
من الطبيعي إذاً القول بأهمية هذه الانتخابات على الصعيدين الداخلي والخارجي في آن واحد. 
في معسكر الحزب الحاكم، يسعى إردوغان إلى تعزيز مواقعه بعد الانتقال إلى النظام الرئاسي، الأمر الذي يؤكده ترشيح الرجل الأقوى في الحزب بن علي يلدريم لرئاسة بلدية اسطنبول، البلدية التي يُعدّ الظفر بها انتخابياً مساوياً لتركيا.  
كما أخذ تحالف الجمهور يربط التصويت بمسائل تتعلق بالتهديدات التي تواجهها تركيا، إذ في سياق حديثه عن التحالف مع الحركة القومية قال الرئيس التركي إنه يرى التحالف مسألة مرتبطة بوجود تركيا ومستقبلها. 
وفي ذلك إشارة واضحة لما للاستحقاق من أبعاد، فتركيا بموقعها الاستراتيجي باتت لاعباً مؤثراً في مجمل أزمات المنطقة، وتحصين الحكم داخلياً ينعكس ثباتاً في الميدان الدولي ويمنح الحزب الحاكم شرعيّةً أوسع لطرح أوراق قوته .
من المتعارف عليه في السّياسة أولوية المصالح في نسج التحالفات بين الدول، الأمر الذي تنتهجه أنقرة حرفيّاً دون إعطاء صكّ الأمان لأيّ من الأطراف الدولية.
فبين كونها عضواً في حلف الناتو وحلمها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلفها التاريخي  مع الولايات التحدة الأميركية، أتت شراكتها مع كل من روسيا وايران في مؤتمر أستانة ورعايتها لاتفاقية سوتشي بالإضافة إلى عزمها على المضيّ بصفقة صورايخ إس-400 الروسية وتلويحها المستمر بورقة اللاجئين السوريين، دون التغافل عن شكوك أنقرة حول دور واشنطن في محاولة الانقلاب صيف 2016، وغيرها من أمور أرخت نوعاً من البرود في التعاطي بين حلفاء الماضي. 
وبالعودة إلى خريطة الحراك السياسي في البلاد، حيث تعتبر المعارضة أمام مخاضها الأخير في ظلّ سلسلة من الخسائر المتوالية، يجهد تحالف الأمة لتأكيد حضوره من بوابة البلديات مراهناً على عدم ترشيح أي مرشح عن حزب الشعوب الديمقراطي في 11 بلدية كبرى وتجيير أصوات مؤيدي الأخير لصالحه، حيث يحظى حزب الشعوب الديمقراطي بتأييد أكبر في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية من تركيا. وقد أعلن الحزب عن استراتيجيته الانتخابية بقوله "سنفوز في كردستان وسنعمل على إفشال تحالف حزب العدالة والتنمية والحركة القومية في الغرب". ولهذا فضّل الحزب المنافسة في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية على نحو رئيس. 
أضف إلى ذلك، يركز محور المعارضة على الأوضاع الاقتصادية، بالحديث عن فشل سياسات العدالة الاقتصادية، وانعكاس ذلك على ارتفاع الأسعار، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وارتفاع أسعار الخضراوات والفاكهة، وهو الجانب المؤثر في الناخب التركي.
إنّ المعارضة التركية تأمل باستخدام ورقة الاقتصاد لتحقيق مكاسب على حساب العدالة والتمية، وهي تأمل في حال تحقيقها مكاسب انتخابية في تأجيج الشارع التركي، تحت وطأة ارتفاع التضخم، كما تسوّق عبر إعلامها محاولة الحكومة خفض أسعار الخضار مؤخراً على أنها محاولة للتحايل على الشارع لأن الخطوة جاءت متزامنة مع الانتخابات.
استناداً إلى ما ورد، تنظر معظم الأحزاب إلى هذا الاستحقاق بوصفه مصيرياً، لذلك تعمل على كسب أكبر عدد ممكن من البلديات، فيبرز التنافس القوي بين الأحزاب بشكل خاص في بلديتَي أنقرة واسطنبول، ودخول عامل السياسة الخارجية على نحو أكبر في واقع إقليمي ودولي غير مستقر تعيشه تركيا. كما وستحدد نتائج الانتخابات مصير قيادة حزب الشعب الجمهوري الحاليّة ومستقبل الحزب الجيد على نحو كامل. 

 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع