ليست المرة الأولى التي يستفيق فيها العالم على جريمة مروعة, وتضج وسائل التواصل الاجتماعي بصور الضحايا وارقامهم, واكثر من ذلك تضج بتحليلات روادها.
صباح اليوم, المواطن "الغربي" الاسترالي الجنسية برانتون تارنت, وعن سابق تخطيط وتجهيز عتاد جرمي, قرر ان يقصد مسجدين في مدينة كرايست تشيرش في الجزيرة الجنوبية النيوزيلاندية. لم يقصدهما للصلاة طبعا, وان كان الوقت وقتها, ولم تحثه المسافة من مكان انطلاقه ورحلته في السيارة الى المكان المقصود عن تعديل خطته او مراجعة "انسانيته", او عن ترشيد عتاده، اقله الكاميرا التي وثقت اندفاعه, ولم تزده طقوس المصلين او يثنه تعبدهم عن اصراره, فأجهز على خمسين منهم رجالا ونساء عدا عن المصابين.
اصحاب القلوب الضعيفة الذين يغشى عليهم لمشاهد الدماء أرجعوا سبب ذلك الفعل الى اضطراب نفسي, اخرون من الذين لا يقوون على دوس نملة رجحوا أنه تأثير ممنهج احدثته اللعبة الالكترونية "pub.g", وربما آخر خلص الى ان الشاب كان يعنَّف على يد مدرّسته في طفولته او ربما هو أمي ترعرع في احد احزمة البؤس, وغيرها من الترجيحات التي لا تشبه الا تبريرات لفعل اجرامي اكثر من "منظم".
أن تحدث تلك الجرائم في بلداننا العربية فمرده من وجهة نظر المجتمع الدولي واذنابه الى تخلف العرب وصراعاتهم المذهبية وانظمتهم القمعية.
وبما ان المسرح ليس مسرحنا هذه المرة وبالرغم من اننا لم نرتق الى مستوى المجتمع الدولي, اسمحوا لنا ولو مجازا ان نتقمص احكامه في بعضٍ من المشاهد.
 يعتبر البعض ان مصطلح الاسلاموفوبيا ظهر في بداية القرن العشرين في حقبة الاستعمار الغربي, كتعبير عن مخاوف المستعمر جراء اضطراره الى الاحتكاك مع المستعمر المسلم, فربما اراده مسالما للاستعمار لا مسلما! وفي كل الحالات هذا محط شك, ففي تلك الحقبة كانت النزعتان القومية واليسارية تفوقان الدينية, والبعض يسنده الى ما بعد نجاح الثورة الاسلامية في ايران عام 1979.
أما الفترة التي شاع فيها مفهوم الاسلاموفوبيا على نحو "فوبيوي", فكانت مع بداية القرن الحالي سيما بعد احداث 11ايلول2001, وتنامى معه حينها مصطلح الارهاب.
 تعددت التعريفات التي حظي بها الاسلاموفوبيا, إلا أن ما يهمنا ونجمع عليه نحن, انه عملية ممنهجة عنصريا وعدائيا موجهة ضد الاسلام والمسلمين.
اذا ما اردنا ان نحسن النوايا ونبرر ابتكار هذه العملية, فنقول ان الهدف من ورائها كان تعبئة الغربيين تجاه المسلمين لأخذ الحيطة والحذر من "همجية" الاخيرين. واذا ما اردنا ايضا ان نتعرف على "المسلمين" الذين تعرضوا للمواطنين الغربيين العزل فهم ليسوا إلا ابناء الدول الغربية البارين والذين خالفوا اسيادهم ذات تضارب مصالح.

كل ما اوردناه من فرضيات تدحضها حقيقة واحدة, مفادها ان الاسلاموفوبيا هو صنيعة الغرب بمساعدة ادوات "اسلامية", بمعنى اخر ان الغرب بيمينه المتطرف والاسلاميين بوهابيتهم ليسوا الا وجهين لعملة واحدة تتبادل اجراما وارهابا وتعصبا ونبذا لكل آخر.
نعم هذا الرجل الابيض المسالم, الذي لا يعنى الا باهتماماته الحياتية المعيشية والترفيهية, الآتي من ديمقراطيات الغرب وشعاراتها, يختار بانتقائية دقيقة ضحايا مسلمين ليقلب السحر على الساحر وليفقأ كل مسلم عين ديمقراطية ذاك الساحر في كل مرة كان يحيد فيها مدنيي المستعمر والمحتل والغاصب عن ضرباته, وليثأر بأن من اراد بث الخوف منا بارهاب مصطنع, ها هو يقطف ثمار زرعه سفاحين وبجدارة, ولنقل نحن لهم اليوم: اسلاموفوبيا على انفسكم!

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع