عماد مرمل – الجمهورية
تمرّ العلاقة الراهنة بين رئيس الجمهورية ميشال عون و«التيار الوطني الحر» من جهة ورئيس الحكومة سعد الحريري وتيار «المستقبل» من جهة أخرى، في امتحان سياسي دقيق، يشمل «مواد» النازحين والفساد والتعيينات والكهرباء التي يبدو انّ هناك مدرستين ومنهاجين في مقاربتها، من دون أن يعني ذلك انّ الشراكة بين طرفي التسوية الرئاسية – الحكومية مهدّدة بانهيار قريب.
ينطلق المحيطون بعون من كلامه أمس، ليلفتوا الى انه عندما كان متهماً بملف مالي، لم تقف الى جانبه لا بطريركية مارونية ولا رئاسة جمهورية، بل احتكم الى القضاء الذي برّأه في نهاية المطاف من كل الاتهامات، «خلافاً لما يحصل اليوم حيث تهبّ مرجعيات دينية وسياسية للدفاع عن بعض المشتبه في تورطهم في فساد أو ارتكابات مالية، بدلاً من ان تترك للقضاء أن يبتّ في صحة الشبهات من عدمها».
ويؤكد هؤلاء انّ المثال الذي قدمه عون عن نفسه ينطوي على رسالة موجهة الى كل مَن يتبرّع بتقديم حصانات سياسية وطائفية، والى كل مَن يتلطى خلفها، فحواها انّ مكافحة الفساد ستستمر ولن تتوقف أمام خطوط حمر واسلاك شائكة، «وما انطبق على ميشال عون يجب أن يسري على الجميع».
ويشدد القريبون من عون على انّ القضاء وحده هو الذي يستطيع أن يثبت «العذرية المالية» لمن يعتبر نفسه بريئاً ومظلوماً، «ومن كان كذلك يجب أن لا يتردد أصلاً في قبول الاحتكام الى القضاء، بل يجب أن يكون هو المبادر الى سلوك هذا الاتجاه، خصوصاً انّ الجسم القضائي دخل في طور تنقية صفوفه وليس بين القضاة مَن يمكنه في هذه اللحظة أن ينزلق الى تسييس الاحكام، لأنهم جميعاً تحت المجهر، ورئاسة الجمهورية هي الضمان».
وتلاحظ الاوساط القريبة من عون انّ هناك قوى في الحكومة بالغت أخيراً في تفسير بعض الاشارات الخارجية التي تقاس في السياسة بـ«شبر ماء»، لكنه تراءى «حوض سباحة» لتلك القوى، فما كان منها إلّا أن قفزت اليه، ليرتطم رأسها بالواقع، في تكرار لتجارب سابقة.
ويلفت المحيطون بعون الى انّ مشكلة البعض تكمن في أنه يصاب سريعاً بالثمالة تأثراً بعوامل اقليمية او دولية، توحي له أنه يستطيع الاستقواء بها لتحسين مواقعه في الداخل، الى درجة وضع «فيتو» على المساءلة القضائية لأسماء متهمة بارتكابات معيّنة، كما جرى بالنسبة الى إضفاء غطاء سياسي ومذهبي على الرئيس فؤاد السنيورة بغية الحؤول دون مثوله أمام القضاء، ورفض وزير الاتصالات محمد شقير إعطاء الإذن للتحقيق مع المدير العام لهيئة «أوجيرو» عماد كريدية «وهذا موقف شديد الخطورة لا يمكن قبوله، لأنه يهدّد بنسف ركيزة أساسية للعهد تتمثل في تحقيق الاصلاح، وإذا كان كل متهم سيتلطى بغطاء يحميه فكيف ستتم مكافحة الفساد؟».
وغامزة من قناة الحريري، تتساءل الأوساط المحيطة بعون: «هل يجوز ان يُغيّب الوزير المختص في شؤون النازحين عن الوفد الرسمي الى مؤتمر بروكسل، بينما يُضم اليه الوزير ريشار قيوميجان الذي إفتعل صداماً مع عون على طاولة مجلس الوزراء؟
وتوضح الاوساط أنّ تلويح رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل بإسقاط الحكومة ما لم تتم معالجة حقيقية لملفي النازحين والفساد إنما ينطلق من حقيقة انّ فريق رئيس الجمهورية و«التيار» يملك 11 وزيراً، «وعندما تمسّكنا خلال مفاوضات تشكيل الحكومة بالحصول على هذا العدد من الوزراء، فلأننا كنا نحتسب لمثل هذه الظروف التي تتطلب حماية العهد وتحصين استراتيجيته في مواجهة تحدّيي الفساد والنزوح».
وتضيف الاوساط الرئاسية: «سلاح الـ11 وزيراً هو دفاعي ووقائي لصد أضغاث الاحلام لدى البعض حين يجنح نحو مسار غير سليم، وأهميته تكمن في سحبه من غمده وليس بالضرورة في استعماله، وبالتالي فإنّ التلويح به لا يهدف الى إنهاء التسوية أو ربط النزاع بل الى تثبيتهما، إنما بعد تذكير مَن يعنيه الأمر بتركيبة الواقع الحكومي وتوازناته التي يجب أن تُراعى في ملفات التعيينات والفساد والنزوح والكهرباء..
ويتوجّه القريبون من عون الى «شركاء التسوية» بالقول: «بدكن تروقوا علينا شوي.. الامور لا تُعالج بهذه الطريقة، ويجب أن يعلم الجميع انّ رئيس الجمهورية الذي كان في ما مضى متهماً بينما هو الأكثر براءة، لن يقبل بعد الآن بأن يتسلّح أيُّ مشتبه فيه بأيّ تغطية سياسية أو طائفية أو مذهبية للتهرب من المكاشفة امام القضاء المعني وحده بإصدار أحكام الإدانة والبراءة».