صحيفة الأخبار

تُلخّص زيارة وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو لبيروت بمعادلة واحدة: تخلّوا عن حزب الله، وإلا فلبنان سيكون في خطر! لم يستخدم أسلوب المواربة في بثّ تهديداته، ولم يكتف بتوجيه الإملاءات للفريق المحسوب عليه، بل كان حريصاً على أن تصل الرسالة إلى الجميع. إلا أنّ الردّ عليه أتى موحداً: حزب الله مكوّن لبناني يُمثّل شريحة كبيرة من اللبنانيين. الرسالة الأكثر وضوحاً من قبل بومبيو كانت في ملف النازحين السوريين. ربط عودتهم بالظروف المناسبة وبالحل السياسي. بمعنى آخر، قال للبنانيين إن النازحين لن يعودوا!

لم يكد وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو يصل إلى بيروت، آتياً من الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى أطلق العنان لتهديداته. فما كُشف، في الأيام الماضية، عن جدول أعمال «الفتنة» لمُمثّل الإدارة الأميركية، والقائم بدرجة أولى على تحريض اللبنانيين بعضهم ضدّ البعض الآخر، وتسعير حدّة الخطاب ضدّ حزب الله، تأكّد بعد لقاءاته أمس. لم يكن بومبيو «دبلوماسياً»، وهو يُهدّد ويتوعّد اللبنانيين، بأنّ أمامهم خيارين لا أكثر: إما التخلّي عن دعم حزب الله ومواجهته، وإما تحمّل الضربات الأميركية التي سترتفع وتيرتها. كلّ الشعب اللبناني بات تحت المجهر الأميركي، بما يتناقض مع النغمة الكاذبة عن «الحفاظ على استقرار لبنان». الكلام نفسه كرّره بومبيو أمام كلّ من التقاهم، أمس، إلا أنّ البيان المكتوب الذي قرأه من وزارة الخارجية اللبنانية، كان التعبير الأوضح عن وقاحة واشنطن، واستعلائها في التعامل مع الدول، وضربها عرض الحائط بالأعراف الدبلوماسية وسيادة البلد. كان المؤتمر في قصر بسترس ناقصاً حضور شبيهٍ للصحافي العراقي منتظر الزيدي (الذي قذف جورج بوش، في الـ 2008، بزوج حذائه)، حتى يقوم بواجب إخراس «الضيف» الأميركي الثقيل. يُمكن تخيّل ردّات فعل «السياديين» اللبنانيين، لو صدر مثل هذا الكلام عن أي مسؤول من خارج المحور الأميركي ــــ السعودي. إلا أنّ الأمر الإيجابي الوحيد الذي صدر عن بومبيو، إشارته إلى أنّه «لدى مغادرتي المطار، استذكرت أنّ من هم الآن في حزب الله قاموا قبل سنوات بقتل عناصر المارينز ودبلوماسيين أميركيين». تفجيرات الـ 1983، كانت جزءاً من مسار المواجهة والمقاومة ضد قوات الاحتلال الأميركي (ومن خلفهم الإسرائيليون) في لبنان، لتلقين الدرس المناسب لكلّ من يُفكّر بالاعتداء على البلد. لذلك، إنّه لأمر عظيم أن تكون هذه العملية حاضرة في ذهن المسؤولين الأميركيين. فمن نفّذها، إنما فعل ذلك لكي لا تُنسى.
بومبيو، الآتي من بلاد «الديموقراطية والحريات»، عقد مع الوزير جبران باسيل مؤتمراً صحافياً، مُنع فيه ممثلو وسائل الإعلام من طرح الأسئلة. قرأ بياناً فتنوياً، مكتوباً باللهجة التي ترتاح لها «إسرائيل»، وهي في الأساس لغة الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر أنّه «لـ 34 عاماً، وضع حزب الله الشعب اللبناني في خطر بسبب قراراته الأحادية غير الخاضعة للمحاسبة المتعلقة بالحرب والسلام والحياة والموت، سواء من خلال وعوده أو من ترهيبه المباشر للناخبين. حملات حزب الله المسلحة منافية تماماً لمصلحة الشعب اللبناني». وزير الخارجية الحريص على مصلحة اللبنانيين، عبر تغطية الاعتداءات الإسرائيلية عليه وتشريعها، سأل كيف «يُمكن لمن أهدر أرواح الأشخاص في اليمن والعراق وسوريا، أن يساعد مواطني جنوب لبنان أو بيروت أو البقاع؟ كيف يمكن أن يقوي تخزين آلاف الصواريخ في الأراضي اللبنانية لاستخدامها ضد اسرائيل هذه البلاد؟ حزب الله يقوم بهذه النشاطات الخبيثة نيابة عن النظام الإيراني. إيران لا تريد لهذا الوضع أن يتغير، وهم يرون أنّ الاستقرار في لبنان يمثّل تهديداً لطموحات إيران في الهيمنة». من دون أن يوضح، كيف له هذه «الحرية» في التنقل وإملاء رغباته على المسؤولين، في بلد «تُسيطر عليه إيران»، من دون أن يضع له أحدٌ حدّاً. واتهم بومبيو حزب الله بسرقة موارد الدولة اللبنانية، مطالباً بمواجهته: «إنّ الأمر يتطلب شجاعة من الشعب اللبناني للوقوف بوجه إجرام حزب الله وتهديداته»، واعداً بأنّه «سنستمر باستخدام جميع الأساليب السلمية المتاحة لنا لتضييق الخناق على التمويل والتهريب وشبكات الإرهاب الإجرامية وإساءة استخدام المناصب والنفوذ الذي يغذي عمليات إيران وحزب الله الإرهابية». وختم بأنّ لبنان وشعبه يواجهان «بصراحة خيارين، إمّا المضيّ قدماً كشعب أبيّ، أو السماح لطموحات إيران وحزب الله السيئة بأن تسيطر وتهيمن عليه. وكما تعلمون إن لبنان دفع ثمناً باهظاً من أجل تحقيق استقلاله».
الطريقة التي تحدّث بها بومبيو من منبر «الخارجية»، اختفت خلال لقائه الرئيس ميشال عون. في طريقه من واشنطن، قال وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو للصحافيين الذين يرافقونه، عن لقائه بالرئيس ميشال عون: «في عملنا نلتقي بالكثير من الأشخاص الذين نأمل أن يُغيّروا أسلوبهم». يُدرك الرجل جيّداً شخصية الرئيس الذي يلتقيه، بأنّه النقيض للأدوات المحلية التي تُنفّذ عبرها واشنطن سياستها داخلياً. عون، بالنسبة إلى الأميركيين، خصمٌ لا يفصلون بينه وبين حزب الله. لا بل إنّه، على اللائحة لشنّ هجوم عليه، والضغط على عهده، بغية إبعاده عن حزب الله. غياب «الكيمياء» بين الفريقين، ظهر في مشهد الاستقبال، أمس، «البارد»، تماماً كتفاعل عون السياسي مع الوفد الأميركي. بعدما طلب بومبيو من عون عدم تمكين حزب الله من تطوير وجوده وتعزيز مواقعه في الدولة، «لأنّه امتداد لإيران والإرهاب»، ردّ الرئيس بأنّ حزب الله «يُشكّل قسماً كبيراً من الشعب اللبناني، ويُمثّل طائفة كبيرة. لديه 12 نائباً من أصل 128، و3 وزراء، تماماً كما كان الوضع عليه في السابق ولم ترتفع حصته»، بحسب معلومات «الأخبار». وافق بومبيو على الكلام، «ولكن نحن نتخوف من تمدّده أكثر. هناك تصرفات غير مقبولة، وذلك سيُعرّض البلد للخطر». ذكّر عون بالتزام لبنان بالقرار 1701، «وبأنّ حزب الله لا يُقدم على أي أمر يُسيء للاستقرار، وفي الداخل ليس لديه دور مسلّح. والجيش يقوم بواجباته، ولكنّ إسرائيل هي التي تقوم بالخرق». ثمّ انتقل النقاش إلى موضوع ترسيم الحدود، فعرض بومبيو استعداد بلاده للمساعدة، فأعاد عون الحديث عن الأطماع الإسرائيلية، مُشدّداً على أنّ أي حلّ «يجب أن يحفظ حقوق لبنان في النفط والغاز».
عون: حزب الله لا يُقدم على أي أمر يُسيء إلى الاستقرار

في ملفّ النازحين السوريين، طلب عون مساعدة واشنطن في إعادتهم إلى سوريا. توقّف بومبيو عند الدور الذي قام به لبنان بهذا الخصوص، «وبأنّه قدّم ما لم توفره أي دولة أخرى، ولكن يجب انتظار فرصة السلام في سوريا ليعود النازحون»، مُضيفاً إنّه بعد تحقق الحلّ السياسي، «ستتشجع الدول أكثر لمساعدة النازحين على العودة». قدّم عون عرضاً للأعباء التي يتحملها البلد، مؤكداً أنّ «انتظار المزيد من الوقت يُزعج لبنان»، مُحولاً الكلام إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فتولى الأخير شرح آلية العودة الآمنة التي اعتُمدت، والتنسيق مع السلطات السورية، وبأنّه لم تُسجّل أي حالة مُضايقة لنازحين عادوا إلى بلدهم، رغم أن عددهم تجاوز الـ 170 ألف عائد.

بري: عقوباتكم تطاول كل اللبنانيين
في عين التينة، سمع بومبيو كلاماً قاسياً أيضاً. فأكد رئيس مجلس النواب نبيه بري للموفد الأميركي أنّ العقوبات الأميركية على حزب الله لها تأثير سلبي على لبنان واللبنانيين. وعلمت «الأخبار» أن الجلسة بين الرجلين استمرت خمسين دقيقة، علماً بأنّ مثل هذه الاجتماعات لا تتجاوز مدتها النصف ساعة. أما مضمون الاجتماع فتركز على نقطتين أثارهما بومبيو، وردّ عليهما برّي. الأولى تتعلق بالحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وهو الموضوع الذي استهل بومبيو حديثه به، مشيراً الى أنّ من يبدي الحرص على المنطقة الحدودية وبدء الاستثمار فيها، عليه أن يذهب إلى حلّ هذه المشكلة. فرد بري بـ«أننا كنا على وشك البدء بمعالجة الأمر عبر اجتماعات اللجنة الثلاثية في الناقورة، بناءً على الاتفاق الذي حصل مع الموفد الأميركي السابق، غير أن الأمور تعطلت بعد الانتخابات الأميركية، وتقاعس الجانب الإسرائيلي الذي يرفض إطلاق المحادثات والتفاوض تحت علم الأمم المتحدة». وأكد أن «لبنان جاهز لمعالجة ملف الحدود البحرية وفق الاتفاق السابق، أي برعاية الأمم المتحدة»، في إشارة الى التشديد على عدم الفصل بين الحدود البرية والبحرية.
وحين تحدث بومبيو عن العقوبات، مُبرراً بأنها تهدف إلى منع تمويل حزب الله، أكد بري أنّ المجلس النيابي سنّ قوانين تُعتبر مطابقة ومتشددة، وقال إنّ «العقوبات التي تفرضونها تطاول كل لبنان واللبنانيين وتؤثّر سلباً على الوضع الاقتصادي والمالي». وحاول بومبيو القول إنها موجهة ضدّ إيران والحزب حصراً، فأكد بري أنّ «حزب الله هو حزب سياسي لبناني له شعبية كبيرة ووجود في الحكومة والمجلس، وإذا كنتم تريدون لهذا البلد أن يكون مرتاحاً فاضغطوا على إسرائيل كي تلتزم قرار الـ 1701 وتنسحب من الأراضي اللبنانية»
وأصر بري على إثارة موضوع الجولان المحتل والقدس والانحياز الأميركي الواضح للعدو الإسرائيلي، إذ قال لضيفه إنّ «السياسة التي تتبعونها في المنطقة ومساندتكم إسرائيل من أجل بسط سيادتها على الجولان المحتل واعتبار القدس عاصمة لها، هي التي تدفع الشعوب إلى معارضتكم والوقوف ضدكم».
من جهته، بدا باسيل في كلمته متوازناً ويُعبّر عن الموقف الرسمي للدولة، بالموازنة بين مصلحتها في الحفاظ على علاقة جيدة مع واشنطن، والحفاظ على صيغة «الوحدة الوطنية». فبدأ كلمته، باعتبار زيارة وزير الخارجية الأميركية دليلاً على «عمق العلاقة والصداقة بين البلدين. نعترف ونقدّر ونشكركم على مساعدتكم لمؤسساتنا الأمنية والمساعدات التي تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية usaid إلى فئات كبيرة من المجتمع والمؤسسات اللبنانية». ثم قال إنّه في موضوع ترسيم الحدود، «معروف موقفي الشخصي وموقف من أمثل مما هو مطروح، وهو موقف إيجابي» (المطروح أميركياً هو الفصل بين ترسيم الحدود البحرية والبرية، وهو ما لا يعارضه باسيل تماماً). وأضاف إنّ لبنان «أمام فرصة لاستعادة حقوق وأرض له من دون أي تنازل. على هذا الأساس، ومن دون التفريط بأي مورد، سنبذل الجهد اللازم مع كلّ القوى الداخلية للتوصل إلى اتفاق مشرف للبنان ويحفظ حقوقه».

برّي لبومبيو: مساندتكم لإسرائيل هي التي تدفع الشعوب إلى معارضتكم

أما بالنسبة إلى حزب الله، فـ«أكدنا أنّه حزب لبناني غير إرهابي ونوابه منتخبون من الشعب اللبناني وبتأييد شعبي كبير. وتصنيفه بالإرهاب يعود إلى الدولة التي تصنفه، ولا يعني لبنان. من جهتنا، نتمسك بوحدتنا الوطنية وبالحفاظ على علاقاتنا الجيدة مع الولايات المتحدة ولا نريد أن تتأثر بذلك، ونود العمل معاً لحلّ المشاكل، ومن بينها مسألة حزب الله والنظرة إليه والتعاطي معه، لأننا نعتبر أنّ استقرار لبنان والحفاظ على وحدته الوطنية هما مصلحة لبنانية ومصلحة أميركية ومصلحة إقليمية ودولية».
وكان بومبيو قد التقى أمس كلاً من: رئيس الحكومة سعد الحريري، الوزيرة ريا الحسن، النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وختم يومه بعشاء في منزل النائب ميشال معوض، قاطعته «القوات» (باستثناء عضو تكتلها النائب جان طالوزيان الذي تربطه علاقة وثيقة بمعوّض، كونهما يتبعان لمرجعية واحدة هي رجل الأعمال أنطون صحناوي). واعتذر عن عدم حضور العشاء النائب ياسين جابر. غياب «القوات» عن العشاء، رغم تلقيها دعوة، سببه العلاقة المقطوعة مع معوض الذي كان يفترض أن يكون حليفاً لـ«القوات»، لكنه انتقل إلى التحالف مع التيار الوطني الحر، إضافة إلى أنّ جعجع التقى المسؤول الأميركي من دون وجود طرف ثالث. وبحسب بعض الحاضرين، لم يكن كلام بومبيو خلال العشاء عالي اللهجة.
وقالت شخصيات في فريق الرابع عشر من آذار إنها لمست «استياءً كبيراً» لدى بومبيو من الرد الرسمي اللبناني الحاسم على كلامه ضد حزب الله. وإن وزير الخارجية الأميركي لمح الى أنه «كما العقوبات بالنسبة الى الدولة اللبنانية لا تتجزأ وتطاول الجميع بحسب ما سمعت، فإن المساعدات الأميركية لا يمكن أن تتجزأ أيضاً ما دام بعض المسؤولين في لبنان لا يفصلون بين حزب الله والدولة والشعب». وأكد بومبيو أن بلاده «التي أعلنت اليوم (أمس) التخلص من إرهاب «داعش»، لن تتساهل أو تتسامح مع إرهاب حزب الله لأنه سيولد تطرّفاً جديداً في المنطقة».
وزير الخارجية الأميركي، سيستكمل اليوم لقاءاته، وواحدٌ منها مع قائد الجيش جوزف عون، بغياب وزير الدفاع إلياس بو صعب، الذي شارك في عشاء آل معوّض أمس.