يختتم اليمن سنويته الرابعة في مواجهة العدوان الاميركي-السعودي, ولا آفاق بعد لالتئام جراح ابنائه.
لا ينفصم المشهد اليمني عن غيره في المنطقة العربية. هو ليس بمنأى عن السياسة الأميركية, تلك التي وإن تبدلت أولوياتها إلا انها لا زالت تتبع ذات الهمجية في الوصول الى بديلاتها, بدءا من الابتزاز الخسيس, واسترخاص الحلفاء وظرفية استخدامهم, انتهاء بالانقلاب عليهم وبيعهم في صفقات بخيسة الأثمان.
حديثا, فرضت عوامل داخلية خاصة بالولايات المتحدة الأميركية وأخرى خارجية, تبني شكل جديد من السياسة تمثلت بالانكفاء نسبيا عن الشرق الأوسط الذي لطالما أسست لاستحداثه على طريقتها.
كان لتولي دونالد ترامب الرئاسة الأميركية دور كبير في الانتقال من السعي للهيمنة "الامبريالية" بفعل قوتها السياسية العالمية, الى استراتيجية "تفريغ جيوب عديمي الالباب من العربان", وذلك لاستجداء رضا ذوي القربى من الشعب الاميركي وضمان كسب الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية, هذا من جهة، من جهة اخرى يبقى على الاميركي ان يتجرع العلقم الصهيوني ضمانة لأصوات الإنجيليين, الى جانب رضا اللوبيات الصهيونية, وهو أمر لا ريب في ان الاميركي سيضيق ذرعا به مع تسارع وتيرة الوهن الإسرائيلي في المنطقة وحاجته الى ضمانات ربما يراها في العقوبات على حزب الله وايران بصيصا من أمان, والى قرارات تبث في الميت شيئا من الروح كالاعتراف الترامبي بـ"صهيونية الجولان" وسابقا صفقة القرن الساقطة.
قبل ان ترافقه خيباته مغادراً من مطار بيروت, جال وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو, بعريضته، مستجديا تواقيع لبنانية, للنيل من سيادة لبنان الشعبية والبحرية, لتنسحب عليها الجوية والبرية تلقائيا.
استحق بامبيو من الرئيسين عون وبري والوزير باسيل ختما دستوريا وطنيا لا عدول عنه الا بزوال الكيان الصهيوني, شعاره مقاومة وشرعية حزب الله شعبيا وسياسيا, وأولوية العيش اللبناني المشترك والسلم الأهلي, كثابتة وسلفة لكرم ضيافة موائد البعض تجاه الوزير السيئ الخطط, وما يحمل ثقيلا وهجينا على اشرف الناس.
بالعودة الى التحولات الخارجية الطارئة على السياسة الاميركية فمردها الى التبدل الحاصل في موازين القوى, والتحول الذي طرأ على النظام العالمي والذي سيتبلور في السنوات القادمة في أقطاب متعددة كوريث للاحادية الأميركية. كل هذا سيتوج إفلاس تلك القوة سياسيا خارج حدود ولاياتها وإن في مدى بعيد من اليوم.
بامبيو نفسه الذي نعى ايتام دولته اللبنانيين, كان قد استفاض هذا الاسبوع في نعي اتفاق ستوكهولم 2018 الذي نص على عقد هدنة في محافظة الحديدة اليمنية, حيث اتهم انصار الله بعدم الالتزام بالشروط الضامنة تنفيذ الاتفاق, وبخرق الهدنة من قبل الحوثيين الذين "تستخدمهم ايران كقوات لها بالوكالة في اطلاق صواريخ الى داخل السعودية مما يعرض حياة السعوديين للخطر وكل من يسافر الى المملكة من رجال اعمال لبنانيين او امريكيين او اوروبيين, وان كل من يقوم بزيارات الى الرياض هو في خطر بسبب قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني والمرشد الاعلى للثورة الايرانية آية الله علي الخامنئي"، وذلك بحسب رأيه الذي ادلى به لقناة sky news خلال زيارته الى لبنان, كما ذكر عبر القناة نفسها ان الادارة الاميركية تدرس حاليا من يمكن ان تستهدفهم من الحوثيين من خلال العقوبات وادراجهم في قائمة الارهاب.
ذكر بامبيو ذلك ولم يستذكر من استهدفتهم ادارته وربيبتاها السعودية والامارات من مدنيين عزل, توزعت اسماؤهم ارقاما لشهداء, جرحى, مرضى وجوعى، وارقاما اخرى في عداد الموتى او في طريقها الى الموت بطيئا، ولم يستذكر ايضا تصويت مجلس الشيوخ الاميركي ضد التدخل الاميركي في حرب اليمن, ولا القرارات الاوروبية في وقف دعم تسليح السعودية, ولا قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي, فربما خزينة دولته تفتقر لدفعة سعودية على الحساب اليمني.
وليغرق ولي العهد ببضعة أشبار الدماء المتبقية من روحه الوراثية, ولينتصر اليمني في أمعائه الخاوية, ودمه المسفوك وصموده الذي لا يشبَّه الا بالأسطوري.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع