الجولان سوريّ حتى آخر نقطة دم - ليلى عماشا
يبدو أن الإدارة الأميريكية تخلّت مرغمةً عن كل أقنعتها، وما عادت تأبه لمداراة سلوكها كقاطع طريق أو "بلطجي". هذا السلوك الذي تعاقبت عليه الإدارات الأميريكية المختلفة كان دائمًا مموّهًا ممّا يسهّل عليها التسلّل إلى الدّول بحجج مختلفة كمحاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية وغيرها من الأكاذيب المملّة. أما الآن، وقد تبوأ أحمق معتوه هذه الإدارة، فقد أصبحت البلطجة العلنية سلوكًا معتمدًا ليس للنهب وحسب، إنّما أيضًا لتوزيع الأراضي كما لو أنّها "ورثة أبيه"! والتصرف حيال المسائل المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني وكأنه يتجاهل الوقائع التي تشير إلى تواجد "الكيان الصهيوني" في أسوأ مراحله منذ زرعه هجينًا في المنطقة، أو يهرب من هذه الوقائع إلى وهم "الرجل الأبيض" بتفوقه وحقّه بتقرير مصير الأرض والناس.
هو يعلم بطبيعة الأحوال أن مقرّراته تلك ليست أكثر من حبر رديء على ورق مهترىء، ويعلم أن "قرارته" تلك لا تلزم أحدًا، حتى فريقه الاستشاري! من قراره باعتبار القدس عاصمة "اسرائيل" إلى قراره "الأبله" باعتبار أرض الجولان المحتل أرضًا "اسرائيلية" وليست أرضا عربية محتلة..
تصرّف سيئ الصيت ترامب وكأنه محافظ يقرر منح ارض مشاع إلى طرف ما.. المضحك في الموضوع أن هذا الطرف يعلم جيدا أن لا معنى لما يقوله ترامب لأسباب عديدة أبرزها:
- الأرض المحتلة بكاملها هي أرض عربية. وبالتالي كل عمل مقاوم يهدف إلى تحرير هذه الأرض، كلها. فلا فرق إن قال أحمق أنها أرض تخص الكيان الصهيوني أو أرض عربية محتلة.. فالكيان نفسه إلى زوال.. والمسألة التي نختصرها بعبارة "صراع الوجود" لا تتغير تفاصيلها ولا يتغير مسارها بتزوير "صك الملكية". تشبه الحالة أن يسرق أحدهم منك قطعة أرض ويضمها إلى اراض مسروقة، ثم يجلب لك شريكه ليقول لك إن هذه الارض هي ملك للسارق، وقد جلب معه أوراقًا عقارية تؤكد ما يقول.. ستضحك حتما، فالسارق وشريكه يعلمان أنك حين تقاوم لا تلتزم بالسقف والصكوك التي يضعها هؤلاء، ويعلمان أن طلقات المقاومة لا تأبه بالأوراق والأحكام التي تتعارض مع حقيقة أن من حقنا وواجبنا تحرير الأرض المحتلة، مهما حاول ترامب وشركاؤه تغيير اسم هذه الأرض.
أما بخصوص أثر القرار باعتبار ارض الجولان جزءاً من كيان العدو على المجتمع الدولي وعلى القرارات الدولية، فذلك أيضًا لا يقع في قائمة اهتمامات العمل المقاوم. فالمؤسسات التي تصدر عنها هذه القرارات هي بالأساس طرف في النزاع، بل جزء من منظومة "البلطجة" وقراراتها لم تحفظ يومًا حقّنا بالأرض وبالسلام، السلام الذي لا يمكن أن يحل في المنطقة إلا بزوال الكيان الصهيوني.
تناقلت المحطات الاخبارية ووسائل التواصل آخر "حماقات" ترامب بشيء من الترقب، البعض تخوّف من القرار، على اعتباره يسلب الجولان من أرض سوريا. ورأى فيه البعض، ويا للعجب، نوعاً من الانحياز الأميريكي للأطماع الصهيونية. وكأنهما طرفان منفصلان وتقاربا فجأة! أو كأن من عادة الولايات المتحدة مؤازرة قضايانا العربية ثم في لحظة تخلٍّ فعلها ترامب وانحاز للصهاينة!
المسألة ليست معقدة. "اسرائيل" هي معسكر أميريكي مزروع في المنطقة. يشهد هذا المعسكر أسوأ أيامه على الإطلاق. يبحث المستوطنون فيه عن خيارات بديلة لمغادرته. يقرأ ساسته ومحللوه الاستراتيجيون مقدمات زواله.. يعاني من أزمات داخلية، يعجز عن الحفاظ على صورة جيشه الواهن، يتلقى ضربات المقاومة ويكابر وان أصبحت مكابرته في طورها الأخير.. ما فعله ترامب هو نوع من الدعم المعنوي ان صح التعبير لإعادة الربط والثقة في الداخل الصهيوني، والجميع يعلم أن "إبرة الدعم" المتمثلة بالقرار لن تجلب سوى المزيد من الآلام للجسد الصهيوني المتهالك. فالمستوطنون الهاربون إلى الملاجىء بفعل المقاومة الفلسطينية في غزة المحاصرة، لا شك يخبرون مستوطني شمال فلسطين عن سوء حالهم، ودولة الكيان العاجزة عن حماية مستوطني غلاف غزة، والجنود عند المعابر في القدس والضفة، تقر حتما بعجزها التام عن احتمال وضع كهذا شمالي فلسطين.
بالنهاية، أصبح من البديهيات في القراءة السياسية، أن ترامب ليس مجرد معتوه يختلف عن سابقيه من الرؤساء الأميركيين. قد يكون أكثرهم مجاهرة بالعته ربما، وبالطمع. ووجوده في سدة الرئاسة الأميريكية اليوم يعكس تأزم الولايات المتحدة الأميريكية كدولة كانت قد نصّبت نفسها قائدًا على العالم أجمع، ويعكس عجزها عن الاستمرار في النهب الدولي المتوحش.. إن كل المؤشرات تدل على سقوط هذه الدولة وبلوغها اخر مراحلها، كما تدل اقليميا على أن زوال "اسرائيل" بات منظورًا.. لذا، سواء من الجولان السوري، أو من "بوابة فاطمة" العاملية، أو من كل شبر رسم عليه الصهاينة والأميركيون والقرارت الدولية اشارات الاحتلال، إنّا إليها عائدون..
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع