على مساحة الـ ١٠٤٥٢ كلم٢، والانقسامات العمودية والأفقية الظاهرة الواضحة، يمكن لأي متابع بسهولة أن يتبين الخط السياسي الذي تتبعه كل محطات التلفزة المحلية.. بل يمكن القول ان هذه المحطات لا تموّه خطّها السياسي ولا تخفي توجهاتها وانتماءاتها الواضحة للعيان أقلّه في اللغة الإخبارية.
فتوصيف الشهيد بالقتيل والإرهابي بالمعارض ليس مجرد اختلاف في الصياغات اللغوية وفي المفردات، إنما هو نوع من "المفاتيح" التي يمكننا استخدامها لتبيان موقع هذه المحطة أو تلك من الصراع الأساسي في المنطقة، ولفهم طبيعة دورها في خدمة المشروع الذي تنتسب إليه، وتمرّر أفكاره بالسرّ حينا وبالجهر أحيانًا.
محطة تلفزيون المر (MTV) لم تخفِ يومًا حقيقة كونها منبرًا اعلاميًا يصارح بعدائه للمقاومة في خطه السياسي وفي لغة نشرات أخباره وبرامجه الحوارية، ناهيك عن كونه مكانًا يقدّم ثقافة مختلفة تمام الاختلاف عن ثقافة المقاومة. بكلام آخر يمكن اعتبار الخط "الثقافي" للقناة هو الخط الذي يقع في المقلب القيَمي والثقافي المعادي تمامًا للمنظومة القيمية للمقاومة وبيئتها.
يعتبر البعض أن وجود مثل هذه المنابر هو ضرورة لإظهار ما يُسمى بالتنوع الثقافي في لبنان، ولتطبيق مفهوم العيش المشترك بالشكل الأكثر سوريالية، إن صحَّ التعبير.
لن ندخل الآن في جدال قد يبدو عبثيا في ظل طغيان الشعارات المفرغة من مضامينها والتي تتمحور حول حرية الإعلام تارة وحريات التعبير طورًا (وهذا حديث يطول)
لكن ألا يبدو غريبًا أن تبدأ قناة المر بمحاولة دخول بيوت "بيئة المقاومة" بعيدا عن ايتيكيت التظاهر والتحسس المرضي تجاه كل ما يمت بصلة إلى ثقافة المقاومة وحياة الفقراء؟ للوهلة الأولى، قد يقول قائل إن القناة اتخذت سياسة تسويقية جديدة لرفع نسب المشاهدة. وهذا صحيح نسبيا، ومشروع في حالة الاعلام التجاري. لكن هل يتوقف الامر هنا؟ ثمة احتمالات كثيرة. من المعروف أن "الجيش الذي لا يقهر" والذي تحول إلى "مسخرة" الجيوش على يد رجال الشمس قد عجز عن كسر او احداث شقوق في بيئة المقاومة. على العكس، زادها العدوان تماسكًا والتفافًا حول السلاح.. وفهم الصهاينة وسائر الغربيين ان تماسك هذه البيئة يعود إلى منظومة من قيم واخلاقيات، وثقافة متكاملة وان تفاوتت نسبها باختلاف تعريفاتها. إذاً، سيبدو منطقيا أن يحاول هؤلاء ضرب هذه المنظومة، وتفتيتها، في سبيل تفكيك "شيفرة" المقاومة.
حسنا، قد تكون قناة المر التي تجاهر بعدائها للمقاومة قد قررت خوض دورها كأداة في الحرب على المقاومة، على بيئتها ومنظومتها القيمية. هي حتما لن تنسخ تجربة زميلتها الجديد منعًا للمضاربة والتضارب بين الأدوات. فالجديد تخصصت بمغازلة العمل المقاوم في اللغة الاخبارية، وتعميم المفاهيم النقيضة لكل بنية المقاومة وناسها، ومثال على ذلك نوعية المواضيع المتداولة في برامجها "الترفيهية" الهدامة. لذا، لم يكن لقناة المر إلا أن تسير نحو الدرب نفسه عبر استحداث أزقة توحي بأنها قررت الخروج من صومعة الاتيكيت والفرنكوفونية والانغلوفونية، لتدخل البيوت التي تتحدث بلهجات القرى الجميلة الأبية، من بث حفلة الفنانة الملتزمة جوليا بطرس فيما كانت تغني المقاومة في صور، إلى استضافة فنان سوري معروف بولائه لدولته وأرضه وتعمد استفزازه من قبل ضيف آخر فتتجلى الديمقراطية "الأمتيڤية" لحظتها بتصفيق الحاضرين لكلمة حق يجتهد كل فريق القناة لشيطنتها في نشرات الاخبار! ثم استضافة الأسيرة المحررة سهى بشارة (بغض النظر عن موضوع المقابلة) لتبدو القناة منفتحة على "الآخر"، هذا الآخر الذي كان اسمه في فترة سبقت "سناء محيدلي" والتي حولتها لغة القناة من "بطلة استشهادية" إلى "انتحارية"!
وماذا بعد؟ سيقول الناس إن هذه المحطة لم تعد في "الخندق الآخر". ستصبح برامجها اكثر قبولا. وبالتالي سيتمكن ضيوفها "المطبّعون" من التوجه مباشرة إلى بيئتنا، إلى ثقافتنا، إلى قيمنا.. سيمررون اقتراحا جذابًا من هنا، وفكرة مسمومة ملفوفة بشكل براق من هناك، وما ابرعهم في تجميل السم وتطعيمه بالعسل.. هو سيناريو يوحي "بنظرية المؤامرة"؟ فليكن. فالواقعية، القليل من الواقعية، يوجب أن نقر أن كل مصائبنا بدأت حين حيّدنا احتمال المؤامرة وعملنا على مداراة المتآمرين.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع