على غير العادة في السنين القليلة الفائتة جاءت الأمطار غزيرة غير مسبوقة هذا الموسم في إيران، وأدت إلى تشكل السيول الجارفة التي تراوح ضحاياها خلال الأيام الأخيرة بين 42 و45 شخصا وفقا للمصادر الرسمية، ولم يتأخر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بإصدار توجيهاته إلى القوات المسلحة في البلاد للتواجد في الميدان، بالطبع إلى جانب المؤسسات الحكومية والمحلية الأخرى.
وكما الكثير من الإيرانيين والمقيمين هنا فإنني أتابع هذا الجهد الرسمي والشعبي المنقطع النظير لمواجهة الحالة الطارئة، إذ تداعى الشعب الإيراني لتقديم التبرعات بأشكالها حتى الأطفال تبرعوا بأغطية نومهم ووسائدهم للمتضررين، كما لم يهدأ الرئيس حسن روحاني طيلة الموجة متنقلا بين محافظة وأخرى لتفقد المتضررين، فيما خصص الأربعاء الماضي مزيدا من الوقت في محافظة كلستان شمالي إيران.
ما لفتني كمقيم عربي في الجمهورية الإسلامية، وأثلج صدري تواجد الحرس الثوري للمساعدة والإنقاذ منذ الساعات الأولى في المناطق المنكوبة وخاصة في محافظة (كلستان) شمال ايران، والتي تعتبر من المحافظات ذات (الثقل السني)، ويحزنني في الواقع أن أشير بهذا التعبير ولكنني أرى من باب أمانة الكلمة ان أصف ما أشاهده هنا، ردا على الاعلام الغربي والعربي التابع للسعودية والذي يصطاد في هذه السيول العكرة، بل كانت هذه الظروف الطبيعية والمناخية اختبارا ناجحا على صعيد التراحم الوطني، وتلاحم كل فئات الشعب مع بعضها بعضاً، ومع أجهزة الدولة للتخلص سريعا من الآثار السلبية للحالة الجوية، وتقديم المساعدة السريعة لكل أبناء الشعب دون أي تمييز، فعقب أمر القيادة للقوات الإيرانية بتشكيلاتها المختلفة للمشاركة في عمليات الإنقاذ تواجد العسكر سريعاً إلى جانب منظمة الهلال الأحمر الإيراني وخاصة في (كلستان) السنية إن صح التعبير.
ولا أخفي إعجابي بفزعة الشعب الإيراني بأكمله حيث نقلت التلفزة هبة المواطنين للتبرع المادي والعيني للمتضررين، لكن الحضور القوي والفعال للعسكريين والباسيج، وكذلك طلبة العلوم الدينية في المناطق المصنفة على أنها مراكز ثقل أهل السنة من أتباع المذهب الشافعي والحنفي، كشف عن مشاعر الحب والأخوة والإيثار والشعور بالمسؤولية الاجتماعية ومساعدة الآخرين، وتجلى بتوفير قوات الحرس والباسيج حتى للمطبخ والمخبز الجوال الذي قام بتأمين آلاف وجبات الطعام، كما تم تأمين المشافي الميدانية المشتملة على كافة الأقسام من دون مبالغة. هذا الحضور للعسكريين بقياداتهم العليا، وكوادرهم ومستشفياتهم الميدانية في محافظة كلستان على وجه الخصوص قابله الأهالي بامتنان وتقدير برز من خلال شكرهم عبر وسائل الإعلام المختلفة. قائد الحرس اللواء محمد على جعفري المرابط في المحافظة متابعا بنفسه، أصدر أوامره إلى فرقه العسكرية بالمحافظات للإسراع في إيصال التجهيزات التي يحتاجها أبناء الشعب حيث عملت القوات بدعم من مجموعات العمل التطوعية والشعبية والمسؤولين لتفريغ قرى المنطقة من مياه السيول على وجه السرعة، معلنا أن جميع المعسكرات على أهبة الاستعداد لاتخاذ التدابير اللازمة في المناطق المنكوبة، كما أرسلت الزوارق المطاطیة، والمعدات الهندسیة ومحركات الضخ لتفریغ المیاه، وتفقد رئیس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقری مستشفي "الشهید شوشتري" المیداني التابع للقوة البریة في الحرس الثوري في منطقة (آق قلا) في محافظة كلستان أول امس، ویشتمل هذا المستشفى المیداني التخصصي على العدید من الأقسام وهي النسائیة والأطفال والجهاز الهضمي والأشعة وغرفة العملیات، ومزود كذلك بأجهزة التصویر المقطعی المحوسب (سي تي اسكن) والتصویر بالرنین المغناطیسي (ام آر آي) والتخطیط بالموجات فوق الصوتية (سونوغرافي) والاشعة السینیة والطوارئ، ویعمل فیه اكثر من 120 من الأطباء الاخصائیین والممرضین، وهناك قال اللواء باقري: إنني بصفتی رئیسا للأركان العامة للقوات المسلحة وفی إطار أوامر قائد الثورة الإسلامية كان من مسؤولیتی أن أتفقد المناطق المنكوبة بالسیول واطلع عن كثب على أوضاع المواطنین فیها ومشاكلهم، وتفقد مصب نهر (جرجان رود) في بحر قزوین وتصريف میاه السیول من مدن وقرى محافظة كلستان نحو البحر، واصدر التوجيهات اللازمة للإسراع بتصريف مياه السيول من المنطقة وتوجیهها إلى البحر.
الحضور السريع والقوي لأجهزة الدولة بقيادة الرئيس روحاني، وكذا تشكيلات الحرس والباسيج وخاصة في كلستان هو رسالة للداخل والخارج بالروح الوحدوية الإسلامية للأمة الإيرانية، دون تمييز كما يردد زورا الإعلام المدعوم غربيا وإسرائيليا وسعوديا، ولم يكتف الحرس بهذا الحضور بل أعلن دخوله في حالة التأهب التام تحسبا لوقوع أية سيول محتملة، وفي مناطق من كلستان كذلك يحتمل انها ستتعرض للخطر او يمكن وقوع ضحايا حصلت قوات الحرس على الاذن بتفجير سكة قطار وجسر لتصريف المياه رغم التكلفة المادية العالية، وما حصل هو التزام بقيم الإسلام وأهداف الثورة الإسلامية، في احترام الكرامة والحياة الإنسانية.
كما أعلن وزير الصحة والعلاج والتعليم الطبي الايراني سعيد نمكي ان الامطار الغزيرة غير المسبوقة وحدوث السيول في البلاد لم تؤدِّ إلى أي حالة للإصابة بامراض جرثومية حادة وهو ما يعد من مفاخر الجمهورية الاسلامية.
وفي الوقت الذي يحاول فيه الإعلام المرتبط بآل سعود تلفيق التهم بالتمييز ضد أهل السنة للجمهورية الإسلامية يتغاضى العالم عن جرائم النظام الحاكم في الرياض والتي ليس آخرها نشر جثة الصحافي جمال خاشقجي والتستر على سلفي تكفيري نحر طفلا شيعيا في المدينة المنورة فضلا عن التمييز ضد أتباع مدرسة أهل البيت خاصة في المنطقة الشرقية والمدينة المنورة، على مستوى الوظائف وتنمية المناطق وازدراء عقائدهم في المناهج الدراسية وهدم قوات النظام السعودي للحي القديم في بلدة العوامية، عندما دمرت عشرات المباني في حي مسورة التاريخي الذي يتجاوز عمره 4 قرون وتهجير الآلاف من سكانه فضلا عن إعدام الرمز الديني المعارض بالكلمة آية الله باقر النمر وصولا إلى سجن المعارضين للثقافة الوهابية رجالا ونساء حتى داخل الإطار السني، حتى ليصح في آل سعود قول القائل: رمتني بدائها وانسلت!!
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع