باستثناء السؤال الذي طرحه النائب نديم الجميّل عن الإجراءات التي تقوم بها الحكومة لترسيم الحدود، لم تلامس أسئلة النواب في جلسة مساءلة الحكومة الإشكاليات الأساسية المطروحة على الساحة، ولا سيما بشأن أخطر أزمة مالية - اقتصادية تواجهها البلاد. فبعد إشارة الجميّل إلى حلّ الأمر من خلال العمل الدبلوماسي وبمساعدة حليف النظام السوري، قاصداً وزير الخارجية، ردّ رئيس الحكومة بأن مزارع شبعا وكفرشوبا أراضٍ لبنانية، ونريد استرجاعها بالوسائل كافة، فهل يطلب الحريري من باسيل زيارة دمشق أم أنه يلوّح بتحرير الأرض المحتلة بقوة السلاح؟
تضع الأزمة المالية - الاقتصادية مصير البلاد أمام المجهول. هذه الأزمة هي في الأساس نتاج سياسات من صنع حكومات متعاقبة طالما وضعت مصلحة الطبقة الحاكمة ومن يُمثلها فوقَ أي اعتبار. ولأن الإفلاس يهدّد الدولة، كما أشار رئيس الحكومة سعد الحريري يومَ أمس من مجلس النواب، مُعبّراً عن تخوفه من أن «نصِل إلى وضع شبيه بما حصل في اليونان»، يتقدّم الوضع الاقتصادي على كل ما عداه. رغم ذلك، لم تكُن الجلسة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، لاستجواب الحكومة على قدر الخطر المحدق بمؤسسات الدولة. فأسئلة النواب لم تضع الإصبع على الجرح، ولم تتطرق إلى السياسات العامة للحكومة في ما يتعلق بإشكاليات فرضت نفسها على الساحة في الأسابيع الماضية. من الهندسات المالية والإعفاءات الضريبية عن مؤسسات كبيرة تابعة لسياسيين، وصولاً إلى التعيينات المتعذرة وقطاع النفط وما يحكى عن سياسة تقشف وإجراءات قاسية قد تطاول المواطن اللبناني. عوضاً عن ذلك، حصر النواب استفساراتهم بملفات تلوّث الشاطئ اللبناني والوضع الزراعي وتعويضات التهجير في مناطق محددة والتأخير في المحاكمات. وهذه المواضيع، على الرغم من أهميتها، لا تلغي نقطتين أساسيتين أكدتا في أول جلسة مساءلة للحكومة بعدَ تشكيلها أننا لسنا أمام دولة حقيقية: تغيُّب نصف الوزراء عن الجلسة، ما دفع النائبين حسن فضل الله وسيزار المعلوف إلى المطالبة بإلزام جميع الوزراء بالحضور أثناء انعقاد جلسات المساءلة، ونوعية الأسئلة التي لم تُشعر الحكومة بأن سيف المحاسبة النيابية مصلت فوق رأسها. فالموازنة، التي يعد عدم إنجازها حتى الآن أبرز مظهر من مظاهر عجز الدولة، بعد أشهر من مخالفة الدستور والقوانين بعدم إصدارها، لم تشغل بال أصحاب السعادة، قبل أن يسأل النائب ميشال معوض عنها في نهاية الجلسة، ليرد الحريري بأن «الحكومة ستقدم الموازنة خلال الأسابيع المقبلة. ونحن نقوم بخطوات تقشفية كبيرة. ونتمنى عندما تصل إلى المجلس النيابي أن لا يزايد بعضنا على بعض. وعلينا أن نحافظ على الليرة اللبنانية. وهذه الموازنة سيكون فيها قرارات صعبة جداً». الترويج للتقشف والقرارات الصعبة من قبل رئيس الحكومة يوحي بأن أصحاب الدخل المحدود والمتوسط سيكونون على موعد مع المزيد من الإجراءات التي تستهدفهم، وتعفي أصحاب الثروات.
وحده سؤال النائب نديم الجميّل عن ترسيم الحدود البرية مع سوريا شدّ انتباه الحاضرين، في جلسة علا فيها منسوب الفوضى والضجيج، إلى حدّ دفع الرئيس بري إلى التهديد باتخاذ الإجراءات في حق من لا يلتزم النظام. بالإضافة إلى سؤالين آخرين أخذا حيزاً من النقاش، تقدم بهما النائبان بولا يعقوبيان وزياد حواط حولَ التوظيف العشوائي في القطاع العام، ردّ عليهما رئيس الحكومة مبرراً حصول توظيفات بـ «الحاجة التي دفعت إلى إدخال نحو 3000 عنصر في الأجهزة الأمنية والعسكرية من جيش وأمن دولة وقوى أمن داخلي». وأشار إلى أن التوظيفات «حصلت بعد تسريح العديد من العسكريين وخروجهم من الخدمة». أما عن التوظيفات في هيئة أوجيرو، فقد بررها هي أيضاً بـ«الحاجة إلى موظّفين لتنفيذ عدد من المشاريع، وقد أخذ عدد منهم بقدر ما هو مطلوب، رغم تدخل كل الأحزاب والتيارات من دون استثناء طلباً للتوظيف».
أما الجميّل، فسأل عن الإجراءات التي تقوم بها الحكومة لترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، وتحديداً في منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، بعد أن أعلن الرئيس دونالد ترامب سيادة العدو الإسرائيلي عليها.
سؤال يبدو غريباً على نائب الكتائب، سرعان ما اتضحت خلفياته. بدا واضحاً أن الهدف من طرح الجميّل لهذا السؤال هو «التنقير» على الفريق اللبناني «الصديق للنظام السوري». فاعتبر أن «العمل الدبلوماسي والسياسي وحده قادرٌ على استرجاع هذه التلال، مُستفسراً عن دور من وصفه «بحليف النظام السوري» وكان المعني هنا وزير الخارجية جبران باسيل المتغيب عن الحضور. ومنعاً لأي جدال حول هذه القضية، سارع بري إلى تقديم مطالعة تاريخية، فأكد أنه «لا لبس في لبنانيتها منذ الاحتلال العثماني والانتداب الفرنسي». وفي هذا الصدد ذكّر بأن «الأمير مجيد إرسلان وضع على أيّامه مركزين للحراسة في تلك المنطقة منعاً للتهريب على الحدود، وكذلك فعل الجانب السوري، إلى أن وقعت حرب الـ1967 وهُجّر اللبنانيون من هناك نتيجة الاحتلال». وشدّد بري على أن لبنان متمسّك بالمزارع، خاصة أن فيها أملاكاً تعود إلى الأوقاف الإسلامية السنية، ومنها مقام النبي إبراهيم. وحثّ على ضرورة إجراء محادثات مع الدولة السورية «حتى لا يُترك الموضوع ورقة بيد إسرائيل التي تريد أن تظهر بمظهر المدافع عن أرض سورية لكي تضع يدها عليها، لكونها أهم موقع للتزلج ومنبع المياه في المنطقة». وقد كان لوزير الدفاع الياس أبو صعب موقف رأى فيه أن «هناك عدداً من النقاط المتنازع عليها مع فلسطين المحتلة، لكن الأهمّ هو البدء بترسيم الحدود لمواجهة الأطماع الإسرائيلية»، معتبراً أنه «حان الوقت لكلام مباشر مع الحكومة السورية حول هذا الموضوع». فيما الأبرز في هذا الأمر كان ردّ رئيس الحكومة الذي قال إن «تلال كفرشوبا ومزارع شبعا أراضٍ لبنانية ونقطة على السطر، ونريد استرجاعها بالوسائل كافة»، ما يفتح باباً للسؤال عمّا إذا كان الحريري يقصد أيضاً الوسائل العسكرية، أو أنه سيطلب من وزير الخارجية زيارة سوريا للتنسيق بشأن المنطقة التي تحتلها إسرائيل!