لم يعد مستغرباً التعامل مع لبنان كـ«ممسحة». يمكن أي مجرم حرب ان يتحوّل إلى ضيف شرف، تُفتح له شاشات النقل المباشر، ويحتفي به كثيرون من أركان الطبقة الحاكمة، ولو في اليوم التالي لارتكابه المجزرة. المجزرة حصلت فعلاً اول من أمس في أرض الجزيرة العربية، حيث نفّذ النظام إعداماً جماعياً لعشرات المواطنين. أحد هؤلاء صُلِب. عُلِّق على خشبة في ساحة عامة. في اليوم التالي للصلب، كان ممثل الرجل الذي صَلَب انساناً في بيروت، يحاضر في حقوق الانسان. الحديث هنا ليس استعارة مجازية. ممثل الملك السعودي كان في فندق «فور سيزن» امس، قرب خليج مار جرجس في بيروت، «يشقلب» الصفحات على شاشة ضخمة، وامامه جمع من السياسيين ورجال الدين والمال والامن والإعلام، يبتسمون ويصفّقون احياناً. ممثل سلمان وابنه كان يتحدّث، حرفياً، عن الاعمال الانسانية للمملكة في بلاد العرب والمسلمين: في ميانمار، والعراق، وسوريا، وفلسطين، واليمن. كان لليمن النصيب الأكبر من الاكاذيب. في اليمن، السعودية تهتم بالأطفال؛ في اليمن، السعودية تهتم بالنساء؛ في اليمن، السعودية تهتم بمكافحة تجنيد الأطفال؛ في اليمن السعودية تبذل جهوداً جبارة لتأمين الاستشفاء لاطفال مرضى...
لم يكن احد يتوقع أن يقف شخص واحد من الحضور، ليبتسم لمستشار سلمان بن عبدالعزيز، ويدير ظهره ويخرج. حتى «أضعف الإيمان هذا» ليس منتظراً من هؤلاء. لا نتخيل ان يفعلها فؤاد السنيورة مثلاً. يمكن الجزم بأن كل متابعي الأخبار السياسية في كل دول العالم خارج الخليج، يدركون أن نظام آل سعود يدمّر اليمن، ويحاصره، ويجوّع اهله، ويقتل أطفاله. حتى من يوالون آل سعود، لأي سبب كان، يدركون ذلك. لكن يمكن أيضاً الجزم بأن السنيورة هو الوحيد في العالم الذي يصدّق أكاذيب آل سعود عن أنفسهم. وتصديقه لهم ليس ناجماً عن نقص في الذكاء أو المعرفة. لا يتوقع احد منه ان يقول لا، ولو في سرّه، لممثل ولي الأمر.
المشكلة ليست في أصل استخدام عاصمتنا وقنواتنا التلفزيونية وسياسيينا كمطهَر لنظام صلَب إنساناً في اليوم السابق. المشكلة في أن سعد الحريري، هو رئيس حكومة لبنان. وبصفته هذه، اعتلى المنبر بعد ممثل الرجل الذي صلب إنساناً في اليوم السابق، وتحدّث باسم اللبنانيين، عن شيء سمّاه «مملكة الخير والمحبة والانسانية» التي «تقف الى جانب لبنان، دون تمييز بين اللبنانيين». للحريري أن يسامح ابن سلمان على ما فعله به قبل سنة ونصف سنة. له أن ينكره، وان يتجاهله، وان يكيل المديح للقاتل في اليوم التالي للمجزرة. له كل الحق في ذلك، كمواطن سعودي وفيّ لنظام تلك البلاد، او كمواطن لبناني حتى. لكن لا يحق له فعل ذلك باسمنا. كان في مقدوره ان يترك تلك المهمة إلى غيره. مروان حماده مثلاً، يصلح لأمور كهذه، وهو القائل لفيلتمان قبل سنوات: «نحن كالعاهرات نتذكر من يعطينا المال». مروان حماده نفسه، او أي شبيه له. لكن لا يحق للحريري أن يتحدّث باسمنا، قبل المجزرة، وفي اليوم التالي للمجزرة، وإبان المجزرة المفتوحة منذ أكثر من ثمانين عاماً. في تلك البلاد رجل مصلوب. ولن نقبل أن يُكرّم باسمنا مَن صلبه.
دولة الرئيس، ثمة أشياء لا تُشترى.