ماذا لو كتب كل العابرين إلى الأرض المحرّرة  ذات أيار انطباعات نبضهم حين دخلوها بسلام آمنين؟
ماذا لو تحدّث سكّان "الشريط المحتلّ" عن قوافل العودة التي توافدت إلى فجرهم على وقع الزغاريد والدمع والضمّات التي بعد احتلال وفراق وشوق قصم بالأسلاك الشائكة كل القلوب؟
ماذا لو نطقت حجارة البيوت وحصى الطرقات بحكايات العيون التي حطت على اكتافها ترجوها أن يكون هذا الحلم حقيقة لا نصحو منها، وبقصص الدمع الذي سقاها ضمًّا وذاكرة تسأل الله أن لا يكون الغياب وضعها في خانة المنسيين؟
ماذا لو باح بسرّه التراب الذي انهالت عليه في ذلك اليوم القبل، بعضها حب وبعضها اشتياق وبعضها سعي كي تلمس الروح اثر خطى المقاومين، وكلها عشق عامليّ الهوى والهوية؟
لأيام التحرير ذاكرة ناطقة، كلّما مرّ عليها الزّمن ازدادت عطشًا للتفاصيل.. لها حقول في القلوب تمتد على اتّساع البطولات التي كنا نتابعها ونسمع عنها ونشاهدها في صور الشهداء وحكاياتهم، ولها في الأرواح أحواض زهر يفوح بالحرية وبصوت السلاح الذي قاتل وحرّر.. ولنا أنها منحت أرواحنا نقاء أن عشنا الطريق إلى هناك، وأن شاهدنا بالعين المسلحة بالحب، كيف الدم الذي روى هذه الأرض قد أنبت فيها زنودًا ترفع الأسلاك وتصرخ بكل الكون أن هنا "عامل"، عاصمة الفطرة والعشق الأبيّ..
أيار ٢٠٠٠، "نوّار" في معجم اللغة الوطنية، بلغ في هذه الأيام تسعة عشر نضجًا ووعيًا وتجارب.. هو الحصاد الذي افتتح مواسم زمن الانتصارات، وهو حجر الأساس الذي ارتفع فوق رصيد هائل من العمل المقاوم، وبُنيت فوقه طبقات اليقين الذي تلخصه جملة "فلسطين الحبيبة ستتحرّر"..
بكلام آخر، يمكن موضوعيًا القول إن كلّ الانتصارات التي عشناها لاحقًا هي نتاج النصر الأول والأجمل، وهي محطات في الدرب نفسه الذي وَجْهته فلسطين وكونٌ خالٍ من الكيان الصهيوني. نصر تموز ٢٠٠٦ كان الصفعة التي تلقاها الصهاينة حين حاولوا أن يعيدوا الاعتبار لجيشهم "الذي لا يُقهر" فعادوا بنخبته أذلاء مهزومين.. وكل نصر سجّله رجال الشمس في بلاد الياسمين حيث هزموا الارهاب الصهيوني الذي لبس زي المستعربين واستخدم بديلا عن جنوده مرتزقة عربًا، واراد حرق الأرض السورية عقابًا لها على دعمها للمقاومة، كان أيضا محطة في تلك الطريق.. الطريق التي أول خطوها كان تحرير الجنوب عام ٢٠٠٠.
لم تنته الحرب.. ولكنها ستنتهي حتمًا.. فمنذ تلك الدمعات العامليات التي هطلت كالندى فوق كفوف الزمن، بات بإمكان العيون أن ترى كيف تحرير الجليل قاب مفاجأة تجعل الصهيوني يتحسس رأسه ووجوده كلّما مرّت دورياته "المتطيرة" بالقرب من الحدود.. هذه الحدود التي في كل يوم أقرب إلى الزوال. وبات بإمكان النبض أن يصغي إلى صوت المصلين في القدس اذ يكبّرون على وقع فرح العائدين..
أيام التحرير التي كمواسم الفرح تزهر في ميعادها السنوي، حجتنا الأعلى ودليلنا الأنقى الذي به نباهي الكون، كل الكون، أننا أبناء ذاك الزمن الذي كنيته النصر.. وأول حروف اسمه "جبل عامل".

 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع