تحت شعار "حقّن يرجعوا"، عاد موضوع عودة العملاء الهاربين إلى الأرض المحتلّة إلى التداول الافتراضي على الأقل، في حملة يسعى القيّمون عليها لجعلها تبدو وكأنها مجرّد حملة إنسانية تعاطفية.. لا شك أن هذه الدعوة / الحملة هي  ككثير من الحملات التافهة التي تعتلي منبر وسائل التواصل وتحاول من خلاله التوجه إلى الشريحة الاوسع من الناس عبر تمرير الأفكار الأشد خبثًا بالمظهر الأكثر براءة.. "حقن يرجعوا" كلمتان فيهما من الاستعطاف وادعاء "الطهرانية" ما يدعو إلى طرح ألف سؤال حول توقيت الحملة، وهدفها من تحويل عملاء فارّين إلى مبعدين مظلومين عبر اللعب على الكلمات، واللعب على المفاهيم الوطنية التي ينبغي أن تكون من البديهيات.. كلمتان يظن مطلقوهما أنهم يستطيعون أن يفرضوا خيارهم التافه وطرحهم المشبوه عبر المناداة برفع المظلومية عن "الظالمين" المجرمين الهاربين ولا سيّما بعد أن شهدنا الكثير من التمريرات التطبيعية تحت شعار "الثقافة والفن" حينًا و"حرية التعبير" أحيانًا..
تحاول هذه الحملة دخول بيوتنا عبر بوابة التسميات الخبيثة، كالمبعدين قصرًا إلى الأراضي المحتلة (وقد استخدم البعض عبارة الأراضي المقدسة لإعطاء القصة بُعدًا إنسانيًا ربما)، وقد يعتقد البعض أن تغيير بعض الكلمات قد يؤدي إلى تغيير الحقيقة، أو ربما يظنون أن انقضاء تسعة عشر عامًا على التحرير وعلى تطهير الأرض من دنس الاحتلال وعملائه قد يجعل عملية عودة العملاء عملية سهلة ومقبولة.. بل قد يغرقون اكثر في اوهامهم المشبوهة ليظنوا أن من حق هؤلاء أن يعودوا ويعيشوا بيننا وكأنهم لم يرتكبوا، بلا ندامة، الاف الجرائم، ولم يدموا الاف والاف القلوب!
لهؤلاء، لكل الذين قد تسوّل لهم عقولهم أن للعملاء "حقوقاً" ومنها حق العودة إلى لبنان، لكل الذين يعتقدون أن الزمن يمحو دم قلوبنا عن كفوفهم المجرمة، نقول ببساطة أن لا مكان بيننا لهؤلاء الذين هانت عليهم أنفسهم فباعوها للمحتل، ثم التحقوا بهم أذلاء حين اندحر، ثم تعايشوا مع ذلهم هناك، لا بل أكملوا دورهم كمرتزقة وادوات عميلة في الداخل الفلسطيني..
والآن، في ذكرى ايام التحرير المجيدة، في ذكرى وقوفهم مسحوقين كعادتهم أمام جنود العدو يرجونهم فتح البوابات لهم للهرب إلى داخل فلسطين.. وفي ذكرى صرختهم الشهيرة: "توقعنا ننكحت بس ننكحت بشرف!" هل طرح عودتهم يأتي بسبب أن حنّت قلوبهم فباتوا يشتهون الموت في ربوع البلد الذي خانوه مع سبق الإصرار.. أم أنهم غير معنيين بالعودة الا في سبيل تنفيذ مهام قد يكون اوكلها الصهيوني اليهم؟ هل هم حقًا يطرحون فكرة عودتهم أم أن أطرافاً محلية تتبنى هذا الطرح لأسباب ولغايات لا تُخفى على أحد..
هي ليست الحملة الاولى في هذا الإطار، لا سيما أننا جميعًا نعلم أن البعض لا يعتبر العمالة خيارًا مجرمًا، لا بل لا يمانع أن يكون عميلا مجانيا للصهاينة نكاية بالطهر الوطني.. ولن تكون هذه الحملة الأخيرة لا سيما وأنهم يحاولون تغطيتها ببعد طائفي حينًا وإنساني أحيانا.. خاصة وأن التسويات السياسية في لبنان، وعصا "العيش المشترك" الذي حفظته المقاومة بالعض على ألف جرح كي لا تُتّهم ظلمًا بأنها لم تراعِ طائفة هنا أو جماعة هناك.. الا أن موضوع العملاء هو الخط الأحمر الذي ان تجاوزه أحد بداعي التسويات، فالأرض، أرضنا المخضبة بدماء المقاومين، ستلفظهم ولو كانوا في ترابها جثثًا.. والعيون التي ستلمحهم، وإن لم تقتص منهم القصاص العادل، تماما كما لم تقتص منهم في ايام التحرير، سترمقهم بما يكفي من الاحتقار الذي قد يقتلهم فيما لو كانوا يمتلكون ذرة من كرامة!
"حقن يرجعوا".. كلمتان فارغتان إلا من الكذب والوهم.. كلمتان تفيضان عمالة وخيانة.. كلمتان وجب أن يُحاكم مطلقهما بالخيانة العظمى، لو..!

 

 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع