لقد كانت المرة الأولى في تاريخ الصراع مع الصهيونية، وفي يوم 25 أيار/ مايو عام 2000، تقوم الدولة الصهيونية بتنفيذ قرار صادر عن مجلس الأمن، هو القرار 425 لسنة 1978، وتنسحب من أرض عربية احتلتها، من دون أية مفاوضات أو تنازلات، انسحبت القوات الصهيونية تحت وطأة ضربات المقاومة التي لم تهدأ رغم استشهاد بعض قادتها مثل الشيخ "راغب حرب" عام 1984، والسيّد "عبّاس الموسوي" عام 1992، والسيّد "هادي حسن نصر الله" عام 1997، وغيرهم كثيرون، أي أن المقاومة تضرب الأمثلة للتضحية والفداء، فلا بدّ لها من الانتصار.
من الدروس المستفادة من النصر، وجود دولة إسلامية ثورية تؤسِّس وتحمي المقاومة، ولقد تزامن بدء التفكير في تأسيس المقاومة في لبنان بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 مباشرة، لأن مشروعها الأساسي الثوري، هو التصدّي للاستكبار والصهيونية العالمية، وخرجت المقاومة من رحم المأساة، لأن القوات الصهيونية دخلت لأول مرة عاصمة عربية واحتلتها، هي "بيروت" عام 1982، وأشرفت القوات الصهيونية على مذابح "صبرا وشاتيلا" المشهورة، وتمّ طرد المقاومة الفلسطينية من لبنان إلى الشتات في تونس، فساد اليأس في عقول شعوب الأمّة وقلوبها، هذا وقد أوحى الأميركيون إلى "صدّام حسين" بشنّ الحرب على الجمهورية الإسلامية الوليدة، كل ذلك أدّى إلى الشعور العام بالإحباط، ولكن الجمهورية الثورية أخذت على عاتقها وخلال أتون حرب الثماني سنوات مساعدة المقاومة، وتمكّنت من توحيد صفوف المقاومين، لتنصهر في بوتقة المقاومة الإسلامية، التي بدأت تؤتي ثمارها، وبدأ الأمل يدبّ في الأرجاء اللبنانية والعربية من جديد، فقد قامت المقاومة في 23 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1983 بعملية نوعية كبيرة، استهدفت مبنيين للقوات الأميركية والفرنسية في بيروت وقد أدّت إلى مقتل 241 أميركياً و58 فرنسياً، وكانت السبب الرئيس في انسحاب أميركا وغيرها من لبنان، وانسحاب القوات الصهيونية مكتفية باحتلال الشريط الحدودي، ولم تتوقّف المقاومة، فقد قامت "عروس الجنوب" الفتاة صاحبة السبعة عشر ربيعاً "سناء محيدلي" بأول عملية استشهادية في الجنوب اللبناني يوم 9 نيسان/ إبريل عام 1985، فجَّرت نفسها وسط التجمّع الصهيوني، الذي كان ينظّم المرحلة الثانية من الانسحاب من القطاع الشرقي لجنوب لبنان، فقتلت العشرات من جنود الاحتلال واستُشهدت، وقد احتفى بها شعراء العرب، وغنّى لروحها الفنان المصري "محمّد منير" من كلمات الشاعر"بخيت بيومي" إحدى أهم أغانية القومية "أتحدّى لياليك يا هروب وأتوضّأ بصهدك يا جنوب" وانتشرت واشتهرت الأغنية فكان صداها مُقرّباً للمصريين من نهج المقاومة، إلى درجة أننا عملنا كمجموعة، وعلى مسؤوليتنا الكاملة بعد انتصار المقاومة الثاني عام 2006، استطلاعاً لألف شخص من مختلف الطبقات المصرية عن أهم شخصية إسلامية لعام 2006، حصل السيّد "حسن نصر الله" على المركز الأول، وحصل الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" على المركز الثاني، وقد نالنا الأذى بسبب استطلاعنا ذاك، وعندما زار القاهرة أحد أبرز الكوادر المقاومة هو السيّد "عمار الموسوي"، بعد النصر الثاني 2006، احتفت به كافة القيادات السياسية المختلفة في نقابة الصحافيين المصرية، ما يعني أن الشعوب العربية تعرف عدوها، وتحتفي بمن ينتصر على غروره، وعندما نتذكَّر ذلك، لا بدّ من أن نعي أن الصهيونية لا تنسى "حزب الله" المقاوِم ولا إيران التي أسّست ورعت المقاومة، فاليوم وبعد أن انشغل العرب بالفِتَن الداخلية، تعتقد أميركا والصهيونية وبعض الدول الخليجية أن الوقت قد حان لمُحاصرة إيران وضربها، وبالتالي إبعاد وهزيمة المقاومة في لبنان وفلسطين، لتُنجِز مشروعها الاستعماري، ولكنّ إيران تمتلك أوراق ضغط هائلة، وقد أسّست المقاومة وهي تحت نيران الحرب الكونية ضدّها، واليوم تتمتّع بقدرات اقتصادية وسياسية وعسكرية أكثر من الثمانينات، وحقّقت سوريا النصر بدعمٍ ثوري إيراني، ولذلك نثق في الله وفي الإرادة الثورية لإيران، التي تخوض"حرب إرادات قبل حرب الجيوش"، كما قال الإمام المُرشِد "على الخامنئي".
ومن الدروس من انتصار المقاومة أنها ألهمت الأشقاء في فلسطين، فكانت الانتفاضة الأولى، أو ثورة الحجارة، من كانون الأول/ ديسمبر 1987 – 13 أيلول/ سبتمبر 1993، ونهاية الانتفاضة كانت منذ تمّ التوقيع في ذات التاريخ على اتفاقية "أوسلو"، بين الزعيم "ياسر عرفات" مع رئيس وزراء الكيان "شيمون بيريز"التي مازالت تداعياتها تنتقص من الحق الفلسطيني، ولقد حقّقت الانتفاضة الأولى بعض النتائج السياسية، ولكنها ضاعت مع اتفاقيات "أوسلو"، ولكن في كل حال تمكّن الفلسطينيون من تأسيس "حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين" وانتصرت غزّة عدّة مرات على العدوان الصهيوني، وأيضاً جاء تأسيس السلطة الفلسطينية، نتيجة ثورة الحجارة، وبدأ بالفعل العدّ التنازُلي للتوسّع الجغرافي الصهيوني، الذي يريد الكيان الصهيوني إحياءه من جديد.
كما كشفت المقاومة اللبنانية في ذكرى انتصارها، الدور المُشين لليمين الديني أو للرجعية العربية، التي وقفت ضد المشروع المقاوٍم منذ البداية، كلنا يتذكَّر النداء المشهور "واأفغانستاه"، الذي كان ينطلق من حناجر الخطباء من فوق ألف منبر ومنبر، مُنادين بالجهاد في أفغانستان، وزوّروا وقالوا إنهم يتضامنون مع أهل الكتاب (يقصدون أميركا) ضد "الاتحاد السوفياتي"(الكافِر)، ولكن وبعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان، لم يصدر ذاك النداء، لأن الحرب كانت بناء على أوامر سلطانية سعودية، بناء على تعليمات أميركية، وهو ما اعترف به مؤخّراً وليّ العهد السعودي "محمّد بن سلمان" عندما أكّد أن تمويل الجهاد الأفغاني كان بناء على طلبات أميركية أثناء الحرب البارِدة، وهو يُكرِّر نفس الأمر اليوم.
ولنفس الأسباب جاءت الفتاوى الوهّابية الصريحة الخادِمة للصهيونية، تفتي بعدم جواز نصرة المقاومة في لبنان، أو حتى مجرّد الدُعاء بالنصر لها، مثل فتاوى "عبد الله بن جبرين" و"عبد العزيز بن باز" ومَن سار على دربهما من شيوخ الوهّابية في مصر وغيرها، نفس الفتاوى الطائفية الخادِمة للاستعمار، وهذا يذكِّرنا بموقف الشيخ المصري المشهور "محمّد متولي الشعراوي"، الذي اعترف أنه صلّى ركعتي شكر لله، عندما انهزمت مصر في حرب حزيران/يونيو 1967، وبرّر سجود الشكر، لأن مصر كانت تتعاون مع الاتحاد السوفياتي، وأنه أيضاً سَجَدَ شكراً لله عندما انتصرت مصر عام 1973، رغم أن مصر استعملت نفس سلاح الاتحاد السوفياتي، وأميركا هي مَن تساعد الصهيونية دائماً بالسلاح والسياسة، والسجود شكراً لله على الهزيمة يعني السجود شكراً لانتصار الصهيونية، هو اليمين الديني المتحالف دائماً مع الغرب الاستعماري، وهو ما يتكرَّر في الوقت الراهِن، ولكنهم اليوم انكشفوا، وأخيراً تُحقِّق المقاومة مقولة الإمام علي بن أبي طالب "الحياة في موتكم قاهرين، والموت في حياتكم مقهورين".