"أردتموها حرباً مفتوحة ونحن ذاهبون إلى الحرب المفتوحة ومستعدون لها وستكون حرباً على كلّ صعيد ، إلى حيفا وصدّقوني إلى ما بعد حيفا وإلى ما بعد ما بعد حيفا".
بهذا الخطاب الذي لم يقرأه الصهاينة جيّداً استهلّ سيّد المقاومة خطاباته التي تتالت خلال حرب تموز 2006،
تلك الخطابات التي كان من أشهرها وأكثرها إيلاماً بالنسبة الى الكيان الغاصب حسب بعض من كتب من الصهاينة عن الحرب:
"المفاجآت التي وعدتكم بها ستبدأ من الآن ، البارجة العسكرية التي إعتدَت على بنيتنا التحتية وعلى بيوت الناس وعلى المدنيين انظروا إليها تحترق وستغرق ومعها عشرات الجنود الصهاينة"
ودمّرت البارجة واحترقت مباشرةً أمام شاشات التلفزة وأمام أعين من كانوا على شاطئ الروشة والرملة البيضاء في بيروت.
تلك الخطابات اعتبرها المحلّلون السياسيون والعسكريون الصهاينة الذين كتبوا عن تلك الحرب عاملاً رئيسياً في الهزيمة التي لحقت بكيانهم لأنّها هزمتهم نفسياً قبل الهزيمة العسكريّة ، فهي لم تكن من نوع الخطابات والبيانات الفارغة التي اعتادوا عليها لبعض القادة العرب الذين تعهّدوا وتوعّدوا أن يرموا الكيان الغاصب في البحر وذهبت خطاباتهم وتهديداتهم أدراج الرّياح.
اعتبر الباحث الصهيوني المتخصّص في الحروب النفسية " Ron Shleifer" أن الحرب النفسيّة سلاح استراتيجي أو مُضاعِف للقوة (Force multiplier ) يُمكّن من يستخدمه بجدارة وبحكمة من أن يُحقّق ميزة واضحة على حساب عدوّه.
خطابات سماحة السيّد نصرالله كانت ولا زالت تصيب مقتلاً في كيان العدو،
" إن "إسرائيل" أوهن من بيت العنكبوت" التي أطلقها سماحته في خطاب التحرير عام 2000 ثبّتها ورسخت في حرب 2006، و"نحن قومٌ لن نترك أسرانا في السجون" ثبّتها بإحدى نتائج الحرب ، حتى أنّ أحد جنرالات الكيان الغاصب قال في تحقيقات "لجنة فينوغراد"الصهيونية :
"إذا وقعت حرب مقبلة مع حزب الله وأُتيح لنا أن نحصل على أسرى، فعلينا أن نتفادى ذلك لأننا سنجلِب على أنفسنا حرباً مقبلة ربّما تقع في ظروف غير مناسبة لنا".
كان السيّد نصرالله ولا زال قائداً ورائداً في اقتناص الفرص واستغلالها لتوجيه الخطاب الذي يُحبط العدو ويجعلَه يُشكّك في جدوى وفعاليّة إمكانياته الماديّة والمعنويّة في مواجهة إرادة وإمكانيات المقاومة التي ترافقت إنجازاتها في أرض المعركة في تموز وآب 2006 وتكاملت مع خطابات القائد المُحبطة لجمهور الأعداء في الداخل والخارج التي أسقطت معنوياتهم إلى الحضيض وأدّت إلى شرخٍ كبير بين ذلك الجمهور كما أفراد الجيش الصهيوني وبين قياداتهم السياسية والعسكرية ، في الوقت الذي ارتقت فيه تلك المعنويّات عند الحاضنة الشعبية للمقاومة إلى القمّة فتوسّعت تلك الحاضنة وازداد التأييد الجماهيري ليصل إلى مدى لم يبلغه قبلاً فمن كان يعتبر نفسه محايداً حسم موقفه إلى جانب خيار المقاومة وامتدّ التأييد ليشمل كافّة الأحرار في العالم ولا سيّما في العالم العربي على الرغم من العداء المُعلَن للمقاومة من غالبية القيادات العربية التي دعمت وشجّعت علناً ودون أيّ مواربة مما تفعل حالياً الصهاينة على الإستمرار في الحرب لأن تلك القيادات المتخاذلة والمتواطئة كانت ولا زالت ترى المقاومة شوكةً في خاصرتها.
إن جميع الدراسات والأبحاث والتقارير التي جرت في مراكز الأبحاث الصهيونية والأميركية والتي لم تترك شاردةً ولا واردة إلا وبحثت عنها لتصل إلى الأسباب والعوامل التي أدّت إلى هزيمة الكيان الصهيوني في حرب تمّوز ضد لبنان جميعها استنتجت أنّ أهم العوامل كانت :
- قدرة حزب الله وقائده بالتحديد على خلق مصداقية كبيرة لدى أوسع شريحة من الجمهور الصهيوني وقد تجسّد ذلك في استطلاعات الرأي التي أظهرت أنّ ذلك الجمهور يثِق بما يقوله الأمين العام لحزب اللّه أكثر بكثير ممّا يثق بحكومته .
إن الفهم المُعمّق والواسع والحقيقي والمعتمِد على دراسات وأبحاث صادقة على مرّ سنين طويلة من المعارك لمجتمع الصهاينة ولتناقضاته وللمشاكل والمخاوف التي يعاني منها ولنقاط الضعف والقوة لديه مكّن السيّد نصرالله وقيادة الحزب من هزيمة العدو نفسياً مترافقةً ومتقدّمةً في غالب الأحيان على الهزائم العسكرية في أرض المعركة حتى وصل الأمر بأمّهات الجنود الصهاينة أن يصرخوا:
" لا نريد لإبنائنا أن يموتوا في لبنان"