تبلغ اليوم خلة وردة ثلاثة عشر عاماً من صبا النصر.. في مثل هذا الصبح، كان رجال الله يحدّقون بالنصر الآتي على صهوة أرواحهم المقاتلة، ويتهيأون للساعة صفر كي ينجزوا وعدهم الصادق.. بل الأصدق!

تشهد عيتا الشعب على ذاك الصباح المعطر بصوت المعركة التي حصيلتها: ثلاثة جنود قتلى وأسيران اثنان.. وما زال التراب هناك ينطق بخطى الأبطال الذين عبروا محمّلين بالوعد، عائدين بالأسيرين، غنيمة ستقود إلى تحرير الأسرى المقاومين..

جُنّ جنون الصهاينة.. استعجلوا الحرب التي كانوا يخططون لشنّها بنيّة إبعاد المقاومة عن حدود فلسطين، وبدأوا بقصف الجسور وتقطيع أوصال المناطق الجنوبية.. وفي أثناء ذلك، كانت الزغاريد تعلو فوق صوت القصف.. وكانت القلوب تصلّي ركعات الحمد على أسر الجنديين.. في الشوارع، تبادل الناس الخبر والتهاني، وحبّات الحلوى التي تبوح بحلاوة الثقة التي يشعرون بها تجاه المقاومة وسيّدها.. هذا الأمين الذي أطلّ معلنًا عن نجاح عملية الوعد الصادق، موجّهًا التحية للمجاهدين الذين أسروا الجنديين اللذين لا سبيل لعودتهما إلا "بالتفاوض غير المباشر في إطار عملية تبادل".

ساعات اليوم الأول من حرب تمّوز كانت حافلة باليقين بالنصر.. هذا اليقين الذي كان يسري في قلوب الناس، كل الناس، والذي كان انعكاسًا لثقتهم بالمقاومة التي أنجزت التحرير عام ٢٠٠٠، ولثقتهم أيضًا بأن هذا العدو "أوهن من بيت العنكبوت".. منذ اللحظة الأولى، لم يسمح الناس للترهيب الذي يتقنه الصهاينة بأن يدخل قلوبهم.. على العكس، أبدت كل العائلات استعدادها لحماية المقاومة بجفون العين.. وما كان النزوح نحو مناطق أكثر آمنًا إلا خطوة تحرّر المقاومين من أن تكون العائلات "نقطة ضعف" أو "الإيد يلي بتوجع"..

هذا بالنسبة للناس، الذين سماهم أمين النصر "أشرف الناس".. أما بالنسبة للحكومة اللبنانية آنذاك، فقد بدت كمن سارع إلى التبرؤ من العمل المقاوم الشريف، وأصدرت بهذا الخصوص بيانًا ما زلنا نذكر كلماته جيدًا، وما زالت وجوه الموافقبن عليه حاضرة أمامنا وفي سِماتها كل ملامح الخيانة، فيما كان فخامة المقاوم اميل لحود يبدي كل حرصه ودعمه لعمليات المقاومة، وسجّل التاريخ اسمه في سجل الرؤساء المستحقين لأوسمة الشجاعة والسيادة والشرف.

الثاني عشر من تموز، يوم تحفظ دقائقه الذاكرة الجماعية لناس عاشوا الحرب بكل وجوهها، آمنوا بالنصر المخضّب بدمهم.. يومٌ نعرف ويعرف العالم أنّه شكّل تحوّلا في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، بل في تاريخ العالم الأجمع.. واليوم، على مسافة ١٣ عامًا من تلك اللحظات، يعود القلب إلى هناك، بل يبدو أن هناك مستقرّه.. يجول بالنبض على حبات التراب من عامل إلى البقاع، مرورًا بالضاحية التي شهدت وأشهدت العالم، كيف لمدينة من حب أن تستحيل في الحرب عينًا تقاتل، وتنتصر.

المصدر: خاص

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع