هنا، حيث بين العين والأرض المحتلة مسافة خطوة واحدة ويقين، يطيب للتراب أن ينطق بحكايته، شاهدًا على كلّ ما حدث، منذ ما قبل تحرير العام ٢٠٠٠ إلى اليوم، بل بإمكانه أن يرسم تصوّره ليوم العبور إلى فلسطين..
هنا، حيث كلّ ما في الأمكنة يستحضر المواجهات مع العدو، وحيث للغيم أسلوبه في النطق ببطولات غيّرت مجرى الأحداث وجعلت العين تكسر المخرز، يحدث أن يعلو منسوب العزّ في نبضك فيبلغ السّماء، ومن شاهق علوّها يتفرّج على "التاريخ الحديث" الذي كتبته أياد تقاوم، وقلوب آمنت بالنصر مذ كان جنينًا ينمو في باطن "قلة قليلة" آمنت بالقتال سبيلًا وحيدًا إلى الحرية..
من هنا، عبر الصهاينة في سبعينيات القرن الماضي، مدجّجين بالسلاح وبعنجهية اعتبارهم لأنفسهم أقوى جيش في المنطقة.. من هنا دخلوا ليعيثوا في القرى قتلًا وتهجيرًا واعتداءات لم يسلم منها حجر ولا بشر.. وهنا، قاتلهم الأوفياء والفدائيون من أهل الأرض وأشرافها..
وهنا استقر العدو في ما اعتدنا تسميته "الشريط المحتلّ".. وككل احتلال، كان الترهيب والقتل والتعذيب جزءا من يوميات الناس والمكان.. وهنا مارس العدو فنونه في التنكيل بالناس، سواء بشكل مباشر أو عبر عصابة من العملاء بقيادة المقبور سعد حداد وخلفه انطوان لحد.. في تلك الأيام، كان التمسّك بالأرض فعل مقاومة، وكان الايمان الساطع في عيون الطيبين يدلّ على أن كل عملية تقوم بها المقاومة ضد مواقع العدو وعملائه هي خطوة في الطريق إلى التحرير..
في أيار ٢٠٠٠، فرّ العدو عبر هذه البوابات الحدودية تاركًا خلفه عملاءه يستغيثون ويستجدونه أن يصطحبهم معه، فقد كانوا يعرفون أن خيانتهم العظمى لن يغفرها حتى التراب الذي عليه يدوسون.. 
بعد التحرير، أيقن العدو أن هزيمته المرة التي تجرعها حين التحرير ستبقى وصمة تشير إلى إمكانية زواله.. ست سنوات من التحضير لحرب يعيد فيها الاعتبار لجيشه "الذي لا يُقهر" لم تكن كافية لتحقيق هذا الهدف.. وتموز ٢٠٠٦ يشهد كيف هذا التراب احتوى خطوات المقاومين اذ مرّغوا أنف نخبة ذاك الجيش ويجرّعونه هزيمة جديدة، تسرّع من مساره الحتميّ نحو الزوال.. هنا، ما زال الصخر يردد ببهجة ملحوظة صوت جنود العدو وهم يصرخون ويستنجدون.. وإن أصغيت جيّدا، خاصة في أيامنا المباركة بذاكرة تموز الكرامة والنصر، سيحكي لك هذا الصخر عن فرحه حين بقربه كان مقاوم مسلّح بقوة الحق يحطّم أسطورة "اسرائيل".. وسيتحدث إليك تراب الأرض عن اثار اقدام رسمت خارطة "الشرق الأوسط الجديد" كما شاء لها الحق أن تكون.
ثلاثة عشر عامًا مرّت على هزيمة الصهاينة وألوية نخبتهم على هذا التراب "الحدودي" المقدّس بالدماء.. ثلاثة عشر تموز مرّت على أيام المجد المخضّب بالعشق والمجرّح بكل أشكال التضحيات، وما زال هذا التمّوز موسمًا يزهر فيه العزّ وردًا وحكايات، وما زلنا، نستنطق التراب والهواء عسى يسقينا من خوابي ذاكرته ما فاتنا من تفاصيل ومن مآثر ومن بطولات نتناقل أحداثها ونملأ بها قلوب أطفالنا حتى ترتوي عزًا ونصرًا وكرامة..

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع