"لم أعد من فلسطين إلا لأعود إليها".. الجملة التي تأخذنا فورًا إلى صوت سمير القنطار.. يوم عاد في تموز ٢٠٠٨ بطلًا محرّرًا، في إطار عملية الرضوان بعد عامين من حرب تموز ٢٠٠٦، والتي تمّ فيها اطلاق سراحه وأربعة من الأسرى المقاومين و١٩٩ جثة لمقاومين لبنانيين وفلسطينيين كانت لا تزال أسيرة لدى العدو مقابل جثتيّ الصهيونيين اللذين أسرتهما المقاومة في عملية الوعد الصادق في تموز ٢٠٠٦.

في السادس عشر من تموز، شهدت الجموع في ملعب الراية تلك الضمّة التي جمعت سيد المقاومة بسمير القنطار العائد بعد اسر استمرّ حوالي ٢٩ سنة (اعتقل في ٢٢ نيسان ١٩٧٩)، أي منذ أن كان بعمر السادسة عشرة، بعد عمليته الفدائية الشهيرة في نهاريا، داخل فلسطين المحتلة.

بدا سمير يومها في كامل عزمه المقاوم.. بدا مقاتلًا يلقي التحية على أهله في لقاء بين عمليتين للمقاومة.. بل بدا خجولا وكأنه لم يقضِ سنين عمره مقاومًا حرًا.. باسمًا وكأنّه يود تقبيل جبين كل فرد من الجموع التي احتشدت لاستقباله تحت راية المقاومة والنصر.

قال حينها إنه عائد إلى فلسطين.. وما كان حديثه هذا مجرّد شعار يطلقه في احتفال، أو جملة مستحبة في محضر سيد المقاومة وناسها.. قالها بعينيه وببسمته وبكل ملامحه قبل أن ينطق بها. لذا، لم يكن خبر اغتياله في جرمانا/سوريا عام ٢٠١٥ خبرًا مفاجئًا فالجميع كان يعلم أن ذلك الرجل الذي يفيض عزمًا لن يكفّ عن إيلام الصهاينة، وكان يكمل ما بدأه منذ صباه في قتال الصهاينة الذين تبجحوا باغتياله واعتبروه نوعًا من "اقفال الحساب".

سمير القنطار، أبو علي، الذي التحق بقافلة الشهداء بعد أن أمضى عمره على رأس قافلة الفدائيين، وعميدًا للأسرى اللبنانيين في سجون الاحتلال، اختار منذ البدء طريق المقاومة، والبوصلة التي تشير دائمًا إلى فلسطين. لم يتراجع حين كان باب التراجع مفتوحًا على مصراعيه.. لم يقل حين تحريره "أدّيت قسطي للعلا".. بل اعتبر تحريره عبورًا إلى طريق فلسطين الحرّة.. هناك، حيث ترك بصمة لا يمحوها الزمان.

بين ذاكرة تموز ٢٠٠٦ وتموز ٢٠٠٨، ما زال صيفنا حافلًا بالانتصارات، ما زلنا نتنشّق الكرامة ونمتشقها سلاحًا وراية مرفوعة لا تنكسر.. وإن كنا اليوم نستعيد وجه سمير القنطار بدرًا من مقاومة، ففي القريب العاجل سنرسمه على جدار في القدس العتيقة، ونخبره أن الطريق التي عبرها مدجّجًا بإيمانه بالنصر قد أدّت بنا جميعًا إلى حرية فلسطين.

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع