"ان غالب عوالي اليوم هو شهيد طريق فلسطين، هو شهيد القدس، هو شهيد المسجد الاقصى، هو شهيد مواجهة المشروع الصهيوني الذي ما زال يحتل ويعتقل ويغتصب ويعتدي ويهدد ويسفك الدماء ويهدم المنازل ويقتل الاطفال. وإن هذه المعركة لم نتخلَّ عنها ولن نتخلى عنها في يومٍ من الايام".
هكذا وصف السيد حسن نصرالله الشهيد غالب عوالي في خطاب تشييعه في التاسع عشر من تموز ٢٠٠٤.
حين دوى الانفجار في صباح السابع عشر من تموز ٢٠٠٤، لم يكن غالب عوالي اسمًا متداولًا بين الناس كقائد مقاوم، فهو كسائر القادة المقاومين، كان قد كرّس حياته ملثّمًا يخوض القتال في كل ساحات المعركة ضد الصهاينة. أوجعهم لا سيما من خلال دوره في دعم المقاومة في فلسطين، وما كانوا ليتمكنوا من قتله اغتيالا لولا حفنة من العملاء الذين باعوا أنفسهم وكراماتهم وسهّلوا للعدو تفخيخ سيارته التي انقسمت نصفين اثر الانفجار واحترقت ليرتفع الغالب شهيدا، كما أراد دومًا.
أدّى عوالي دوره في كسر شوكة الصهاينة سواء في المقاومة في لبنان أو في الداخل الفلسطيني إلى آخر لحظة من حياته.. هناك، أمام منزله في معوّض في الضاحية الجنوبية، المدينة التي احتضنت خلف جدران بيوتها حكايات المقاومة وأسرارها، تعاون فريق مؤلف من عدة عملاء لتنفيذ اغتيال أوجع قلوب كلّ ناس المقاومة، الذين احتشدوا لتشييعه ولتجديد الولاء للنهج المقاوم. ولم يطل الوقت حتى بدأت تتكشف خيوط الجريمة والمشاركين بها من العملاء حتى تمّت محاكمتهم بعد اثني عشر عامًا بتهمة تسهيل اغتيال القائد المقاوم لقاء مبالغ مالية تقاضوها من الصهاينة، وتراوحت الاحكام بحقهم بين المؤبد والخمس سنوات، كلّ بحسب دوره في العملية. هذه العملية التي قال الصهاينة إنّها جاءت على خلفية "عبث حزب الله في الملف الفلسطيني".
ربما ظنّ الصهاينة أنهم بذلك يقطعون الرابط بين المقاومة في لبنان وفي فلسطين، إلا أن جهلهم بحقيقة أن أرض المقاومة التي أنبتت رجالًا من طينة الحق كالغالب أبي مصطفى، لن تكفّ عن نسج خيوط تلتف حول عنق الحلم الصهيوني بالبقاء أبدًا في أرضنا المحتلة.. ولم يدركوا أن ذلك الرجل الذي شبّ على اليقين بأن القتال هو السبيل الوحيد لتحرير الأرض هو واحد من جيش كلّما ارتفع منه شهيدٌ ازداد يقينًا وارتباطًا بهذه الأرض وهذه المقاومة..
لذلك، رغم الألم الذي اعتصر القلوب يومها، كان استشهاد غالب عوالي دافعًا جديدًا لتجديد الوعي الوطني الذي بوصلته فلسطين.. وما كان الدمع الغاضب في تشييعه إلا وقودًا يزيد من توهج شعلة المقاومة في القلوب.. ولذلك أيضاً، بعد سنتين من اغتياله، وحين شنّ الصهاينة الحرب في تمّوز ٢٠٠٦، كان الشهيد غالب عوالي حاضرًا في ميدان القتال وفي قلوب رجال الله الذين سطروا هزيمة الصهاينة وكتبوا فصلاً جديدًا من زمن الانتصارات.
غالب عوالي، الحاضر عند كل طلقة تصوّب نحو رأس الصهيونية، ما زال حاضرًا بيننا، في هذه الأيام التي نستعيد فيها حكايات المقاومة قصةً قصة، ونعلو فيها معزّزين بالكرامة مزنّرين بالنصر، ونراه في علياء الشهداء راضيًا عن سير النهج المقاوم، وعن اقتراب راية الحق من مكانها فوق أرض فلسطين، كل فلسطين.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع