ذات صيف من عام 2017 وفي أواخر شهر تموز كنا على استعداد للتوجه الى منطقة البقاع بدعوة خاصة من أحد الأخوة في المقاومة الصديق (الحاج أبو حيدر ) وملاقاته في مكان عمله وذلك بعيد انطلاق عملية "وان عدتم عدنا " بيومين، والتي أطلقتها المقاومة حينها لتحرير جرود السلسلة الشرقية لجبال لبنان من دنس "الارهاب التكفيري" في المنطقة الممتدة من جرود عرسال الى عمق منطقة القاع الحدودية مع ريف حمص السورية.
 انطلقنا من بيروت باتجاه البقاع. 
مر الوقت سريعا في سيارة الدفع الرباعي. وصلنا الى قرية "الحلانية" وكانت الساعة حوالي التاسعة والنصف، ولم نكن قد تناولنا الفطور، الى ان رن الهاتف الخلوي لزميل يرافقنا تبلغ فيه الاعتذار الشديد من صاحب الدعوة عن عدم الحضور بسبب مجريات الأوضاع الميدانية التي تتوجب حضوره في الجرود حيث تدور أشرس المعارك بين المجموعات التكفيرية من جهة والمقاومين وجنود وضباط الجيش اللبناني من جهة اخرى، فيما أصر الحاج أبو حيدر على دعوتنا الى منزله وأن أبناءه والعائلة في انتظارنا على الفطور (لكم أن تتخيلوا رفض الدعوة وعدم التلبية)! مقسما علينا بدماء الشهداء..
 عزمنا أمرنا بالتوجه الى منزل الحاج ابو حيدر وهو من قرية نائية صغيرة من قرى البقاع المترامية الاطراف على سفح السلسلة الغربية من جبال لبنان، فغيّرنا المسير باتجاه الغرب وقطعنا السهل البعلبكي بألوانه الثلاثة الأخضر والذهبي والأحمر الترابي، وكأننا داخل سجادة حبكتها أنامل بأبهى الصور والرسومات. وكان المزارعون في لحظة مغادرة الحقول كما الرعاة مع مواشيهم بعد عودتهم من المرعى قبل اشتداد الشمس الحارقة (تكاد لا تختفي الابتسامة عن وجوه أولئك المزارعين والرعاة فيبادرونك بإلقاء التحية وكلمة "حوّلوا" ولثلاث مرات) إكراما وحبا بالضيف.. 

عبرنا ذلك السهل المترامي الى ان وصلنا الى الطريق العام في بدنايل  متجهين يمينا نحو بيتشاما وصولا الى مزرعة الطقش حيث منزل الحاج ابو حيدر صاحب الدعوة وكان في استقبالنا أحد أبنائه على موتوسيكل كروس أحمر فبادرنا بالسلام والتأهيل ومشى أمامنا دليلا حتى وصلنا المنزل. وكان اللافت أن هناك الكثير من السيارات أمام المنزل وزحمة نساء ورجال وأطفال. اعتقدنا أننا في منزل أحد الذين التحقوا بركب الشهادة حيث لا يخلو بيت من شهيد أو
 جريح أو مقاوم. وكانت الساعة العاشرة والنصف صباحا. ترجلنا متجهين الى باحة كبيرة تعلوها خيمة من (بيت شعر) نصبت خصيصا لموائد المقاومة حيث تجتمع كل نساء القرية والاطفال والرجال للعمل على إعداد طبخ يومي وتجهيز وجبات غذائية للمقاومين في الجرود توضّب طازجة الى جانب الفواكه المجففة والعصائر والمعقود والأمبريس والمكدوس من تبرعات أهل القرية او مؤنهم التي يدخرونها للشتاء وترسل في سيارات رباعية الدفع الى مختلف ساحات المواجهة.


استقبلتنا الحاجة أم حيدر أيما استقبال وترحاب. (اتفضلوا عالترويقة يا شباب ما في شي من قيمتكم انتو متل ولادي وما تواخذوني اذا قصرت بجوه الله، ورح تشاركونا الفطور اللي عم نبعتوا لشباب المقاومة الله يحميها). يأتي احد أبنائها الصغار مسرعا وبيده تلفون (أبي عالخط ..ألو يا هلا بالحاج وصلت بخير ..شو ما شالله هالأصوات قوية.. تسكت قليلا.. لا توصي حريص يا حاج انتبه لحالك ولهالشباب والله ينصركن..الله معك). تقفل الحاجة وترمي الهاتف جانبا وتضرب بكفيها "يا عم هالزلمي لو انو مو بالمعركة كنت رح سكر عليه، ليكو هالحكي قال عم يوصيني بالضيوف يا حزيني يا أني..!! "
ويعلو ضحك الحاضرين وضحكاتنا ايضا، ثم يصدح صوتها في المكان بكلمات الترحيب يا هلا يا هلا بضيوف الحاج شرفتو ونورتو..كلو وانبسطو وتعاو آجرو معنا بكم حصة للشباب..

أنهينا فطورنا وشاركنا في تعبئة الطعام ووضعه في السيارات على وقع الأناشيد الحماسية وخطابات سيد المقاومة من المآذن والسيارات الجوالة في شوارع وأزقة البلدة وكأنك في جو احتفالي لمهرجانات النصر وكأنهم واثقون بنصر آت. فقد تعودت اذانهم على سمع خطابات النصر لسيد النصر.
  استأذنا الحاضرين وشكرنا الحجة على حسن ضيافتها وافساحها المجال لنا بالمشاركة في أجر الجهاد   ولجهدها المبذول في ساحات الشرف والعطاء على موائد أعدت للمقاومين حبا وكرما وإباء.. فكانت من هؤلاء النسوة اللاتي ساهمن في صنع النصر الذي تحقق على أيدي رجال الله يوم النصر في الجرود.

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع