كل دولة تمر بنقطة تحول تجعلها تنعطف عن مسارات كانت غير مجدية وكلفتها الكثير من الخسائر، فتسعى حينها إلى استخلاص العبر ومحاولة إصلاح ما أفسدته سياساتها، وهذا ينطبق تماماً على دولة الإمارات، حيث كانت حرب اليمن نقطة التحول التي جعلتها تفكر ملياً بجدوى الاستمرار بحرب خاسرة، فتوالت الإجراءات والمواقف الإماراتية اتجاه إيران التي تشكل مفتاح حلها وطوق نجاتها من أمواج الخليج التي تغلي على وقع التصعيد الأمريكي الإيراني. فما هو تفسير هذا التقارب الإماراتي الإيراني؟ وأين السعودية منه؟
هناك مظاهر عدة للتقارب الإماراتي الإيراني، ظهر من اليوم الأول لإعلان الامارات الانسحاب من اليمن، وقد تجلت في هذه النقاط:
- انسحاب الإمارات من اليمن لتخوفها من أن تستهدفها القوات الوطنية اليمنية كما تستهدف السعودية، ما سيشكل لها كارثة اقتصادية كبيرة، كما تتخوف الإمارات من أن تستهدفها إيران بأي تصعيدٍ بينها وبين أميركا.
- زيارة سرية لمسؤول إماراتي إلى إيران، حيث بحث مع الجانب الإيراني سبل عقد اتفاقية عدم اعتداء بين الدولتين.
- معلومات عن مساعدة الإمارات لإيران في الالتفاف على العقوبات الأمريكية بشأن تصدير النفط وهذه العملية تتم عبر الموانئ والمياه الإماراتية.
- زيارة قائد خفر السواحل الإماراتي علي الأحبابي لإيران، وإبرام مذكرة تفاهم لتعزيز الأمن الحدودي بين البلدين، أي الاتفاق عملياً على أمن الخليج.
- الإمارات ستجري تعاملات مالية مع المصارف الإيرانية، وهذا الإجراء عملياً هو خرق للحظر الأمريكي للتعاملات المالية مع إيران.
كل هذه الإجراءات التي أوردناها أعلاه يمكن أن نعطيها تفسيرين بشكل أساسي وهما:
الأول: الإمارات استدارت نحو إيران لمعرفتها الدقيقة بأن الأخيرة هي ملاذها لكي تخرج من مستنقع حرب اليمن من جهة، ولكي تنجو من تبعات التصعيد الأميركي الإيراني من جهة أخرى، وكذلك تكون الإمارات نأت بنفسها عن معاداة إيران، وبأنها لن تكون ضد إيران في الخليج، وهكذا تكون الإمارات بهذا الإجراء ابتعدت عن السياسات السعودية ولكن هذا الابتعاد لن يصل إلى حد القطيعة بين الجانبين، وكذلك لن ترتمي الإمارات نهائياً في الحضن الإيراني.
الثاني: كل هذه الإجراءات الإماراتية تجاه إيران هي بعلمٍ من السعودية وبتنسيقٍ معها، حيث تستغل السعودية علاقات الإمارات التاريخية مع إيران لكي تخرجها من مستنقع اليمن والمنطقة، وهذا التنسيق الاماراتي السعودي يتجلى بأمرين:
- تصريح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش الذي علق بمعرض رده على الحملة التي شنت على بلاده على خلفية العلاقات مع إيران وبأنها ضد السعودية، حيث قال "لا أقلق على العلاقة الاستراتيجية التي تجمعنا بالسعودية الشقيقة، وأعلم كم هي تترسخ كل يوم على كافة المستويات"، وهذا يدل على أن هذه الخطوات منسقة مع السعودية.
- سعي السعودية لإرضاء طهران، من خلال لقاء جمع ممثلي السعودية وإيران بخصوص ترتيب إجراءات الحج، والذي انتهى باتفاق الطرفين على زيادة عدد الحجاج الإيرانيين 2000 حاج هذا العام، وكذلك الترحيب الحار الذي استقبلت به السعودية الحجاج الإيرانيين اذ استقبلوهم بالورود والحلوى.
بدوري أميل إلى التفسير الثاني الذي يقضي بأن الإمارات ستفتح بتقاربها مع إيران الباب أمام السعودية للخروج من الوحول اليمنية، التي تغرقها يوماً بعد يوم، حيث تدرك السعودية جيداً أن خشبة خلاصها من أزماتها في المنطقة تتجسد بإيران، ولا سبيل أمام السعودية سوى أن تأتي إلى طاولة الحوار الإيرانية لحل جميع مشكلاتها من داخل السعودية إلى البحرين وصولاً إلى اليمن وأمن الخليج، فهل تملك السعودية شجاعة الرضوخ كما رضخت الإمارات؟
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع